الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن
الناظر في الشرع الشريف يرى أن خلق الرحمة والرفق واللين كان هو الأصل في
منهج الأنبياء -عليهم صلوات وسلامه- في دعوتهم إلى الله -تعالى- ومعاملتهم
مع الخلق، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلا رَعَى الغَنَمَ) فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: (نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ) (رواه البخاري)، فكان رعي الأنبياء للغنم ليحصل لهم التمرن برعيها على ما يكلفونه من القيام بأمر أمتهم وسياستها بشرع الله -تعالى-، مع في مخالطتها من حصول الحلم والشفقة منهم على الناس.
وقد
بيَّن الله -عز وجل- لنا في كتابه الكريم وكذا النبي -صلى الله عليه وسلم-
في سنته وسيرته الشريفة كيف أن الدعوة إلى الله لابد أن تكون برفق وشفقة،
بل وخوف على الناس من عدم الإيمان واتباع الوحي المنزل.
فهذا مؤمن آل فرعون يقول في دعوته لقومه: (يَا
قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ . مِثْلَ
دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا
اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ . وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ
عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ) (غافر:30-32)، فأظهر لهم مشاعره الصادقة وخوفه الحقيقي عليهم.
وهذا الخليل إبراهيم -عليه السلام- قال الله عنه: (إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا) (مريم:42)، فناداه بقوله: (يا أبتِ)؛ ليذكره بالعلاقة التي بينهما والتي تقتضي كمال الشفقة، وهذا استمالة لقلبه وترغيبًا له في الإيمان.
وقد أمر الله موسى وهارون -عليهما السلام- بإلانة القول لفرعون استمالة لقلبه لدعوة الحق، فقال -تعالى-: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى . فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه:43-44).
وامتدح الله النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران:159)، وقال -عز وجل-: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة:128).
وبلغ
من شفقته -صلى الله عليه وسلم- وحرصه على هداية الناس أن كادت نفسه
الشريفة أن تتلف حزنًا على مَن ضل ولم يؤمن حتى واساه الله بقوله: (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ) (فاطر:
وأمر
الله -تعالى- أن تكون الدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، بل أمرنا الله
-تعالى- بإحسان القول إلى كل الناس -فكيف في مقام الدعوة إليه؟!- فقال
-تعالى-: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) (البقرة:83)،
فدخل في ذلك حتى الكفار، بل قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "لَوْ قَالَ
لِي فِرْعَوْنُ: بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ، قُلْتُ: وَفِيكَ، وَفِرْعَوْنُ
قَدْ مات" (رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني). وقال أيضًا: "لَوْ قَالَ لِي فِرْعَوْنُ خَيْرًا لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ" (رواه ابن أبي الدنيا في الصمت).
وإنالمتأمل في خلقه -صلى الله عليه وسلم- ورفقه ولينه في دعوته يجد عجبًا... ! ومن ذلك: طريقته مع الأعرابي الذي تبول في مسجده الشريف وهم به الصحابة فما كان منه -عليه الصلاة والسلام- إلا أن قال: (دَعُوهُ،
وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ أَوْ سَجْلاً مِنْ
مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ) (متفق عليه)،
وآخر يجذبه بشدة وغلظة يطلب منه عطاءً فيضحك -صلى الله عليه وسلم- ويأمر
له بعطاء رغم نكارة ما فعله الأعرابي، وثالث يشهر عليه السيف فيعفو عنه
-صلى الله عليه وسلم-، وغير ذلك كثير...
فما
أوسع صدره وما أعظم حلمه وشفقته وإحسانه إلى الناس -صلى الله عليه وسلم-!
فقد كان يعطي العطاء حتى يخرج من عنده الرجل ينادي في قومه: "يَا قَوْمِ
أَسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لا يَخَافُ الْفَقْرَ"(رواه مسلم وابن حبان واللفظ له).
بل لما دخل عليه يهود وقالوا: السَّام عَلَيْكَ. ما زاد على أن قَالَ: (وَعَلَيْكُمْ)
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ وَلَعَنَكُمُ اللَّهُ وَغَضِبَ
عَلَيْكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(مَهْلاً يَا عَائِشَةُ عليكِ بالرِّفق وإِياك والعنفَ والفُحْشَ). قَالَت: أَو لم تسمع مَا قَالُوا؟ قَالَ: (أَو لم تَسْمَعِي مَا قُلْتُ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ وَلا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ) (متفق عليه).
فدل ذلك على أن الأصل في كل معاملات المسلم استعمال الرفق وحسن الخلق؛ خصوصًا في باب الدعوة إلى الله وإنكار المنكر، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلا اللِّعَانِ، وَلا الْبَذِيءِ، وَلا الْفَاحِشِ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، وقال أنس
بن مالك -رضي الله عنه-: (لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاحِشًا، وَلاَ لَعَّانًا، وَلاَ سَبَّابًا، كَانَ
يَقُولُ عِنْدَ المَعْتَبَةِ: مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ" (رواه البخاري).
وقد
يتصور البعض أن كونه على الحق فيما يدعو إليه من معروف أو فيما ينكره من
منكر يسوِّغ له التغليظ على الناس والكلام فيهم بما يشتهي رغم أن هذا
السلوك قد يؤدي إلى تنفيرهم ومزيد بعدهم عن الحق فيكون متسببًا في ذلك
مستحقًا لوعيد الله: (وَلا
تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ
ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النحل:94)، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ) (متفق عليه)، وقال لمعاذ -رضي الله عنه-: (أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟!)؛
وذلك لما أطال الصلاة فَتَجَوَّزَ رَجُلٌ فَصَلَّى صَلاَةً خَفِيفَةً،
فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاذًا، فَقَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ
الرَّجُلَ، فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا قَوْمٌ نَعْمَلُ بِأَيْدِينَا، وَنَسْقِي
بِنَوَاضِحِنَا، وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى بِنَا البَارِحَةَ، فَقَرَأَ
البَقَرَةَ، فَتَجَوَّزْتُ، فَزَعَمَ أَنِّي مُنَافِقٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ -ثَلاَثًا-؟! اقْرَأْ: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى وَنَحْوَهَا) (متفق عليه).
قال فضيلة الشيخ محمد إسماعيل المقدم -حفظه الله-:
"بعض الناس يعتبر أن الانتصار للحق والغيرة عليه تبيح له أن يستعمل
ألفاظًا لا تليق حتى لو كانت حقًا، حتى لو كان هذا الشخص يستحق السباب
بألفاظ معينة لكن غيرتك على الحق لا تسوِّغ لك أن تستعمل ما لا يليق بك أنت
من الألفاظ السوقية... فهذا تنفير لهؤلاء الناس من أن يتوبوا أو يئوبوا
إلى ربهم -سبحانه وتعالى-".
فمتى
كان بوسع الداعي إلى الله استعمال الرفق والعدول عن الشدة فعل؛ فإن الرفق
لا يأتي إلا بخير، إلا أن مبدأ الرفق واللين في الدعوة ليس قاعدة مضطردة لا
يُخرج عنها بحال،
بل قد وجدت بعض صور الشدة في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكن دون
خروج عن حد الأدب والخلق الحسن؛ إذ لا علاقة بحال بين استعمال الشدة -عند
الحاجة إليها- وبين استعمال الكلام الفاحش والألفاظ المبتذلة والسوقية دون
حاجة شرعية تدعو إلى ذلك.
فقد
أنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- على أبي السنابل لما قال لسُبَيْعَة بنت
الحارث -وقد وضعت حملها بعد وفاة زوجها بخمس عشرة ليلة-: كَأَنَّكِ
تُحَدِّثِينَ نَفْسَكِ بِالْبَاءَةِ؟ مَا لَكِ ذَلِكَ حَتَّى يَنْقَضِيَ
أَبْعَدُ الأَجَلَيْنِ، فَانْطَلَقَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَتْهُ بِمَا قَالَ أَبُو السَّنَابِلِ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كَذَبَ أَبُو السَّنَابِلِ، إِذَا أَتَاكِ أَحَدٌ تَرْضَيْنَهُ فَائتِينِي بِهِ) (رواه أحمد وصححه الألباني، وأصله في الصحيحين)، وهذا تغليظ من النبي -صلى الله عليه وسلم- على أبي السنابل -رضي الله عنه- الذي أفتى بهذا دون بينة.
وقال -صلى الله عليه وسلم- لمن قال له: "مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ": (أَجَعَلْتَنِي وَاللَّهَ عَدْلاً، بَلْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ) (رواه أحمد، وصححه الألباني). وقال لثالث: (بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ)
لمن خَطَبَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
مَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ
غَوَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ، قُلْ: وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ غَوِيَ) (رواه مسلم).
وهذه
الصور التي استعمل النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها الشدة أحيانًا -سواء
المذكورة ها هنا أو غيرها- كانت تتعلق بحق الله -سبحانه- وحرماته أو شريعته
من تقوُّل بغير علم أو غلو في الدين ونحو ذلك... مع أمن المفسدة في
استعمال الشدة في هذه الوقائع، أما إذا كان الأمر متعلقًا بشخصه الشريف
-صلى الله عليه وسلم-؛ فكان أبعد الناس عن الانتقام لنفسه كما قالت عائشة
-رضي الله عنها-: "مَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ قَطُّ، إِلا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ
اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ بِهَا لِلَّهِ" (متفق عليه).
فاستعمال
الشدة في الدعوة وفي الإنكار على المسيء والخاطئ تدور على المصلحة وجودًا
وعدمًا فإن كانت الشدة -إن احتيج إليها- تؤدي إلى زيادة الابتعاد عن
الالتزام بالحق واتباعه لم يكن فيها مصلحة،
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- هجر كعبًا بن مالك وصاحبيه -رضي الله عنهم-؛
لما في ذلك من المصلحة، وأما من عُلم مِن حاله أو غلب على الظن أن هجرته
ومقاطعته لا تنفعه، بل ربما ضرته فلا تشرع حينئذٍ هجرته، والله -عز وجل-
نهى عن سب آلهة المشركين -وإن كان في ذلك مصلحة إظهار عجزها وبيان عوارها-
لما كانت تؤدي لاجتراء المشركين على سب الله -تبارك وتعالى-.
ومن هذا الباب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لقريش إذ اشتدوا عليه: (لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ) (رواه أحمد، وحسنه الألباني)، فكان لكلمته عليهم أثرًا عظيمًا في انزجارهم وكفهم عنه، في حين أنه الذي قال -صلى الله عليه وسلم- لمن استأذن عليه: (ائْذَنُوا لَهُ، بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ، أَوِ ابْنُ العَشِيرَةِ) (متفق عليه)، فلما دخل عليه ألان له القول وانبسط إليه -وهذا أيضًا للمصلحة شفقة على الرجل لعدم نفرته ومزيد غوايته-.
قال ابن القيم -رحمه الله- في قوله -تعالى-: (ادْعُ
إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ
ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالمُهْتَدِينَ) (النحل:125):
"جعل -سبحانه- مراتب الدعوة بحسب مراتب الخلق؛ فالمستجيب القابل الذكي
الذي لا يعانِد الحق ولا يأباه يُدعى بطريق الحكمة، والقابل الذي عنده نوع
غفلة وتأخر يُدعى بالموعظة الحسنة، وهي الأمر والنهي المقرون بالرغبة
والرهبة، والمعاند الجاحد يجادل بالتي هي أحسن. هذا هو الصحيح في معنى هذه
الآية... " (مفتاح دار السعادة).
والحكمة ليست هي الرفق دائمًا؛ فلربما كانت الشدة والحزم أحيانًا هي الحكمة التي ينبغي أن نتعامل بها، لكن بميزان المصلحة الشرعية في ذلك،فينبغي إذن على الداعي إلى الله -تعالى-، بل على كل مسلم أن يضع اللين في محله والشدة في محلها، وإلا وقع فساد عظيم وشر مستطير.
وهذه وصية الشيخ ابن باز... قال -رحمه الله-: "قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ) (رواه مسلم)،
ولا سيما في هذا العصر، هذا العصر عصر الرفق والصبر والحكمة، وليس عصر
الشدة، الناس أكثرهم في جهل، في غفلة وإيثار للدنيا، فلابد من الصبر، ولابد
من الرفق حتى تصل الدعوة، وحتى يبلَّغ الناس وحتى يُعلَّموا، ونسأل الله
للجميع الهداية" (مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز -رحمه الله- 8/376).
السؤال:
ما
الفرق بين التساهل والتسامح، ففي الآونة الأخيرة يُكال السباب والطعن
لرموز التيار الإسلامي، ولما نرد بأقل بكثير مما يقال يدون علينا: أهذا هو
الإسلام؟! فمتى
نظهر القوة والرد الغليظ حتى يرتدع مَن يكيلون لنا السباب، ويعلنون
محاولاتهم إسقاط التيار الإسلامي من الإخوان والسلفيين؟ ومتى نعمل الآية:
(وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) (التوبة:73)؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالرسول
-صلى الله عليه وسلم- احتمل مِن ابن سلول أضعاف ما نسمعه عنا؛ رعاية
للمصلحة، و-بحمد الله- لم يتأثر التيار الإسلامي بما يُكال له مِن تهم، ولا
بد للبذرة أن تنمو نموًا طبيعيًا حتى تصبح شجرة، وليس بين يوم وليلة. ولا
شك أن البعض منا يستعمل الغلظة -أحيانًا- حسب ما يراه مناسبًا، والبعض
يستعمل اللين، وعمومًا نرى أن وقتنا الحاضر الرفق فيه أولى" (انتهى).
وللحديث
بقية -إن شاء الله- في الجزء الثاني من هذه المقالة في تفنيد ورد شبهات
السالكين مسلك العنف والشدة ووحشي الألفاظ في الدعوة إلى الله...