= فضل الدعوة :
إن الدعوة إلى الله تعالى أرقى وأشرف مهنة، لأنها وظيفة الرسل عليهم الصلاة السلام وهم أشرف الخلق على الإطلاق، وأكرمهم وأقربهم إلى الله تعالى ، وهي وظيفة خلفاء الرسل وورثتهم من العلماء العاملين الذين يهدون الناس إلى الحق ويحببون الخير إليهم، ويخرجونهم من غياهب الظلمات إلى فجر النور والعلم والإيمان قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمّن دَعَآ إِلَى اللّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ، إنها من أفضل الطاعات وأهم القربات لأن ثمرتها هداية الناس إلى الحق ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا) .
وقد أثنى الله تعالى على القائمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: {التّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السّائِحُونَ الرّاكِعُونَ السّاجِدونَ الاَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ} ، قال العلماء: الذي دل عليه حكم هذه الآية: إنما هو الإمكان والقدرة والاستطاعة من كل من يمكنه الله في الأرض، ولو بشبر منها، فمن مكنه الله في أرض، وأنعم عليه بالاستطاعة فيها بأن يأمر بمعروف وينهى عن منكر، فهو مكلف بذلك، باليد أو اللسان أو القلب وإن لم يفعل هو مؤاخذ آثم ، وقال تعالى : {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ، وقد ذم الله تعالى المنافقين ، فوصفهم بعكس ما وصف به المؤمنين فقال: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ …} ، فجعل الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فرقا بين المؤمنين والمنافقين .
النجاة في القيام بواجب الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
لقد جعل الله النجاة مترتبة على القيام بهذا المبدأ المهم. قال عز وجل: {فَلَماّ نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُوَءِ وَأَخَذْنَا الّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} . فبين أنهم استفادوا النجاة بالنهي عن السوء.
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي قال: (مثل القائم في حدود الله، والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها ، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم. فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا، هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم ، نجوا ونجوا جميعا) .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي قال)إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل، أنه كان الرجل يلقى الرجل على المنكر فيقول: يا هذا اتق الله، ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك. ثم يلقاه من الغد، وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده ، فلما فعلوا ذلك، ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم قال: {لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ عَلَىَ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ * تَرَىَ كَثِيراً مّنْهُمْ يَتَوَلّوْنَ الّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنّبِيّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتّخَذُوهُمْ أَوْلِيَآءَ وَلَـَكِنّ كَثِيراً مّنْهُمْ فَاسِقُونَ} . ثم قال: كلا والله لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا، ولتقصرنه على الحق قصرا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعنكم كما لعنهم) .