إلى مصر المسلمة
إن الإسلام قد جمع الأمة الإسلامية، ووحدها عقيدة وأرضاً وإنساناً، وكانت مصر في طليعة هذه الأمة الموحدة، ولقد كان أبناؤها في طليعة الفاتحين، كيف لا وهم من أقوى أجناد الأرض!
وحين سحق التتار الخلافة الإسلامية في بغداد بعد أن حطموا مدن خراسان وخوارزم، وأرادوا أن يزحفوا على بقية الرقعة الإسلامية ويستأصلوا الإسلام من جذوره تصدى لهم المصريون في عين جالوت، وردوهم على أعقابهم خاسرين.
وبطولاتهم تشرق بها كتب التاريخ ويشهد لها الواقع، وآخر ذلك ما حصل في يوم العاشر من رمضان.
مصر وأهميتها بالنسبة للأمة الإسلامية
الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين؛ فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أيها الناس: إن أعظم معجزة قدمها الإسلام للعالم، أن جمع بين هذه الشعوب المسلمة تحت مظلة إياك نعبد وإياك نستعين، وإن أعظم نفع قدمه عليه الصلاة والسلام للدنيا؛ أن آخى بين القلوب وألف بين الأرواح، قال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63].
وقد ينسى بعض السفهاء هذا التأليف، وهذا الإخاء؛ لجهلهم بهذا الدين العظيم.
نما إلى علمي أن أخاً مصرياً يشكو من الجفاء والاستخفاف من بعض الناس، وشافهني بعضهم بهذا؛ فقلت: لا بد أن أؤدب بعض السفهاء، وأن أقلم أظفارهم، وأن أخبرهم ما هي مصر؟
وماذا تعني مصر؟
ومن هم المصريون؟
وماذا يعني وادي النيل؟
إن مدحي وثنائي على مصر هو كمدح الأعرابي وثنائه على القمر: كان يمشي في الظلام الدامس، وفجأة طلع عليه القمر، فأخذ الأعرابي يناشد القمر ويشكره، ويقول: يا قمر، إن قلت: جملك الله؛ فقد جملك، وإن قلت: رفعك الله؛ فقد رفعك.
من أين أبدأ يا مصر؟ وكيف أتحدث؟ وبأي لسان أنطق؟
إنني سوف أدخل التاريخ من أوسع أبوابه إذا ذكرت مصر، وإن الدنيا سوف تصفق لي ويصدقني الدهر إذا ذكرت مصر
مصر المسلمة التي شكرت ربها، وسجدت لمولاها
مصر التي قدمت قلوبها طاعة لربها، وجرت دماؤها بمحبه نبيها عليه الصلاة والسلام.
إن لك يا مصر في عالم البطولة قصة، وفي دنيا التضحيات مكان، وفي مسار العبقريات كرسي لا ينسى.
دخلت مصر في الإسلام طوعاً، ودخل الإسلام قلب مصر حباً، وأحب المصريون ربهم تبارك وتعالى فذادوا عن دينه، وحموا شرعه، ونشروا منهجه، وأحب المصريون محمداً عليه الصلاة والسلام كأشد ما يحب التلاميذ شيخهم، والطلاب أستاذهم، والأبطال قائدهم.
معذرةً يا مصر! إن بعض السفهاء لا يعرفون هذه الوحدة التي ألفها محمد عليه الصلاة والسلام؛ إنهم لم يدخلوا جامعته الكبرى التي جعل أعضاءها كل خير في الدهر، وكل إنسان في المعمورة؛ معذرة يا مصر يا أرض الأزهر الوضاء ويا أرض البطولة والفداء ويا أرض العبقرية والأذكياء!
أنا أعلم أن في الشعوب فسقة ومجرمين، وأنهم لا يستحقون الثناء -ولا أستثني شعباً- ولكن تبقى الكثرة الكاثرة من المؤمنين المصلين العابدين المضحين الطاهرين؛ فحق عليَّ -على منبر محمد عليه الصلاة والسلام- أن أشكر أتباعه في مشارق الأرض ومغاربها هنا وهناك، اليوم وغداً وأمس.
أي جامعة في الدنيا تحمل ثقافةً ليس فيها مصر؟ وأي مؤسسه علمية في المعمورة ليس فيها مصر؟ وأي مسار ثقافي لم يشارك فيه المصريون بعقولهم وأبصارهم وبصائرهم؟ فقد أنزلت سفينة الفضاء الأمريكية على سطح القمر بقدرة الواحد الأحد ثم بعقل مصري.
بها ليل في الإسلام سادوا ولم يكن لأولهم في الجاهلية أول
هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا
ولا يستطيع الفاعلون كفعلهم وإن حاولوا في النائبات وأجملوا
إنني لا أنتظر شكراً من أحد إلا من الله على هذا الكلام؛ ولكني أريد أن أرد على بعض الأقوام الذين أصابتهم لوثة الوطنية والعرق، والبلد، واللغة المزعومة، والقومية المفترية.