ابودجانه صاحب الموقع
الساعة الان : رسالة sms :
عدد المساهمات : 1615 تاريخ التسجيل : 05/05/2011 العمر : 63 الموقع : nobalaa.forumegypt.net المزاج : مبسوط
| موضوع: قصة الصليب السبت 03 سبتمبر 2011, 4:29 pm | |
|
قصة الصليب
الكاتب : محمد حسان
الحمد لله ربِّ العالمين، الحمد لله الذي لم يتَّخِذ ولَداً و لم يكن له شريكٌ في المُلك وما كانَ معهُ من إله. الذي لا إله إلَّا هو فلا خالقَ غيرُهُ ولا ربَّ سواه، المستحقُّ لجميع أنواع العبادة ولِذَا قضى ألَّا نعبُدَ إلَّا إيَّاه، ذلك بأنَّ اللهَ هو الحقّ وأنَّ ما يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الباطلُ وأنَّ اللهَ هو العليُّ الكبير.
أحمَدُكَ يا ربِّي وأستعِينُكَ وأستغفِرُكَ وأستهديكَ لا أُحْصِي ثَنَاءاً عليك أنتَ كما أثْنيْتَ على نفسِك جَلَّ ثناؤك وعَظُمَ جاهُكَ ولا إلهَ غيرُك.
وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، هو الواحد الذي لا ضدَّ له، وهو الصَّمدُ الذي لا مُنازِعَ له، وهو الغنيُّ الذي لا حاجةَ له، وهو القويُّ الذي لا يُعْجِزُهُ شيءٌ في الأرضِ ولا في السَّماء، وهو جبَّارُ السَّماواتِ والأرض، لا رادَّ لحُكمِه، ولا مُعقِّبَ لقضاءه وأمرِه، هو الأوَّل فلا شيءَ قَبلَه، وهو الآخِرُ فلا شيءَ بعدَه، وهو الظَّاهرُ فلا شيءَ فوقَه، وهو الباطن فلا شيءَ دونَهُ، وهو على كُلِّ شيءٍ قدير..
وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُه وصفيُّهُ من خلقِهِ وخليلُه، أدَّى الرسالة، وبلَّغ الأمانة، ونَصَح الأمَّةَ وكشَفَ اللهُ به الغُمَّة، وجاهد في الله حقَّ جهاده حتَّى أتاهُ اليقين، فاللَّهم اجزِهِ عنَّا خيرَ ما جازيتَ نبيًّا عن أمَّتِه ورسولاً عن دعوته ورسالته، اللَّهم صلِّي وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابِه وأتباعِه وعلى كلِّ من اهتدى بهديه واستنَّ بسُنَّتِه واقتفى أثَرَه إلى يومِ الدِّين.
أمَّا بعدُ، فيا أيُّها الأحبَّة في الله تعالوا بنا لِنُطَوِّفَ سوياً في روضة القرآن الكريم، ومع اللِّقاء الأول من لقاءات تفسيرنا لسورة مريم أسأل اللهَ -جلَّ وعلَا- أن يجعله تفسيراً مُباركاً وأن ينفعنا به فى الدنيا والآخرة إنَّه وليُّ ذلك ومولاه وهو على كلّ شئٍ قدير.
هذهِ السُّورة المكِّية المباركة التي تُعالج أخطرَ قضيةٍ في هذا الدِّين، ألا وهي قضيةُ العقيدةِ التي حرَّفَها وبدَّلَها وغيَّرَها النَّصارى، فسَبُّوا اللهَ بذلك مَسبَّةً عظيمة، فمنهم من قال: إنَّ عيسى هو الله، وطائفةٌ أخرى قالت: إنَّ المسيح ابنُ الله، وطائفةٌ ثالثةٌ قالت: إنَّ اللهَ ثالثُ ثلاثة، "تعالى الله عمَّا يقولُ النَّصارى عُلُوًّا كبيرا".
وتعالَوْا بنا لنتعرَّفَ على هذِهِ العقيدة الفاسدة وعلى هذا الدِّينِ المحرَّف والمُبدَّل والمُغيَّر لتسجدوا لله شُكراً أنَّكم من الموحدين لله -جلَّ وعلَا- وأنَّكم من المنتسبين لمحمدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم.
لنتعرَّفَ من خلالِ مقدمةٍ سريعة فإنَّ لقاءنا اليوم وفي اللقاء المُقبل إن شاء الله - جلَّ وعلا- بمثابة مقدمةٍ سريعة موجَزَة لنتعرَّفَ من خلالِهَا على قواعد دينِ النَّصارى ولن نقولَ شيئاً من عندِ أنفُسِنا حتَّى لا نُتَّهَمَ بالغُلُوِّ ولا بالتَّشدُد فإنَّ الذي نقولُ في هذا اللِّقاء وفي اللِّقاءِ المقبل بحولِ الله ومَدَدِه إن شاء الله -جلَّ وعلَا-، ليس من قولنا وليسَ من كلامنا ولكنَّ الذي يُحدِّثَنَا عن قواعدِهِم رجلٌ شرِبَ من مَّعينِهِم وتزيَّ بزِيِّهِم وكان على عقيدتهِم وعلى دينِهِم ولكنَّ اللهَ جلَّ وعلا قد شرَحَ صدرهُ للحقِّ فأعلنَ توحيدَهُ للهِ جلَّ وعلا- وإيمانَهُ بمحمَّدٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إنَّه القسُّ الأسباني الكبير انسيلم ثورنيدا، إنَّه القسُّ الأسباني انسيلم ثورنيدا هذا القسُّ الذي شرب من معينهم وتزىَّ بزيِّهِم وكان فى يومٍ من الأيَّام على عقيدتهِم يُدَرِّسُها لأبناءه في النَّصرانية ولكنَّ الله - جلَّ وعلا - قد شرَحَ صدرَهُ للحقّ فأعلنَ توحيدَهُ لله وإيمانه بمحمَّدٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل في الإسلام وسمَّى نفسه بـ "عبد الله الترجمان"...
استمعوا إلى هذه الفضائح التي يُحدِّثُنا بها هذا القسُّ الذي أسلَمَ ماذا يقول انسيلم ثورنيدا، القسُّ الأسباني الذي شرح الله صَدرهُ للإسلام، يقول وقوله للنَّصارى والمسلمين، للنَّصارى الذين لم يمتْ إنصافُهُم في قُلُوبهم فعَمِيَتْ بذلك عقُولهُم، وللمسلمينَ الَّذين لا يعرفون شيئاً عن دينِهِمْ فضلاً عن دينِ النَّصرانية يقول: "اعْلَموا رحِمَكُمُ الله بأنَّ قواعدَ دينِ النَّصارى خمس، اِعلموا أيُّها المسلمون وأيُّها النَّصارى المنصفون بأنَّ قواعد دين النصارى خمسٌ؛ التغطيس، والتثليث، والإيمان بالقُربان، واتحاد عقنوم الابن ببطن مريم، والاعتراف بجميع الذُّنوب للقسِّيس".
هذه قواعد الدِّين عند النَّصارى: تغطيسٌ، وتثليثٌ، واعترافٌ باتحاد عُقْنُوم الابن في بطن مريم، والإقرارُ بجميع الذنوب للقسِّيس، والإيمانُ بالقُربان.
هذه هي قواعد دين النَّصارى... فتعالوا بنا لنتعرَّف على هذه القواعد الكافرة، وعلى هذه القواعد الفاجرة الخطيرة.
أمَّا القاعدة الأولى ألا وهي قاعدةُ التَّغطيس، فإنَّهم يعتقدون ويأخذون هذا القولَ من إنجيل لوقا المحرَّف والمبدَّل يقولون: "بأنَّ عيسى عليه السَّلام قال: إنَّه من تغطَّسَ دخَل الجنة ومن لم يتغطَّس دخل جهنَّمَ خالداً فيها أبداً"، تعالى الله عمَّا يقولُ الظالمونَ عُلُوًّا كبيرا، إنَّها من أبشَعِ الافتراءاتِ على الله -جلَّ وعلَا- وعلى نبيِّه عيسى على نبيِّنا وعليه الصَّلاةُ والسَّلام.
فما هي صِفَةُ التَّغطيس أيُّها المسلمون؟!
صِفَةُ التَّغطيس حتَّى نتَعرَّف على خُدعِ القوم، وعلى مكائِدِ القوم، وعلى ألاعيبهِم وأباطيلهِم وأكاذيبهِم هذه الصِّفة:
هي أنَّ لكلِّ كنيسةٍ حوضاً إنَّ في كُلِّ كنيسةٍ حَوضاً رُخامياً كبيرًا في وسَطِ هذه الكنيسة، هذا الحوضُ مملوءٌ بالماء وعليه أكوابٌ كثيرةٌ تحيطُ به من كُلِّ جانب، هذا الماء أُلقِيَتْ فيه كمياتٌ كبيرةٌ منَ الملحِ ومن نوع من أنواع الدُّهن يُسمَّى بدُهنِ البَلْسَان، وهذا الملح وذلِكُم ُالدُّهن هُو الذي يحفظُ الماءَ منَ التَّعفُن والتَّبدُلِ والتَّغيرِ، ويضْحَكُ بذلكَ القسِّيسُ على النَّصارى ويقولُ لهم بأنَّ هذَا الماء ما بُدِّل وما غُيِّر، ومازالت رائحتُهُ لم تتغيَّر وطَعْمُهُ لم يتبدَّل وإنَّما ذلكَ مِن بَرَكاتِ الإلهِ الرَّبِ المسيح!
ولكنَّهُ ما بُدِّل وما تغيَّرَ لهذه الكِمِّياتِ الرَّهيبة التي وُضعَت فيه من الملح وتلك الكِمِّياتُ الكبيرةُ التي وُضِعَت فيه من دُهن البلسان، هذا الحوضُ الكبير الذي مُلِئَ بالماء وبالملح وبهذا الدُّهن يقفُ القسِّيسُ عليه، فإذا ما أراد الرجلُ أن يتنصَّر أخَذَهُ القسِّيسُ وقرَّبَهُ وأوْقَفَهُ على هذا الحوْض وقال له: "اِعلمْ إذا أردتَ أن تتنصَّر، وإنْ أردتَ أن تدخُلَ في دينِ النَّصرانية، ينبغي أن تعتقد اعتقاداً جازماً أنَّ من تغطَّسَ دخَلَ الجنَّة، ومن لم يتغطَّسْ دخَلَ جهنَّمَ خالداً فيها أبداً، وينبغي أن تعتقد أيضا أنَّ الله ثالث ثلاثة، وأنَّ المسيح ابنُ الله، وأنَّهُ صُلِبَ وقُتل ودُفِن وصار حياًّ بعد ثلاثة أيَّام، وصَعَد إلى السَّماء وجلس عن يمين أبيه ثم يأتي يومَ القيامة ليحكُمَ بين خلقه"!!
ثم يقول القسِّيسُ له: "هل أنت مؤمنٌ بهذا؟"، فيقول: "بلى"،
فيقول: "وأنت مؤمنٌ بكلِّ ما آمن به أهلُ الكنيسة؟"، فيقول: "بلى".
فإذا ما قال المتَنَصِّرُ ذلك أخَذَهُ القسِّيس من يدِهِ وقرَّبهُ إلى هذا الحوض الرُّخامي المملوءِ بالماء، ثم جاء هذا القسُّ بقليلٍ من الماء وأسْكَبَهُ على رأس هذا المتنصِّر وقال له: "وأنا أُغَطِّسُكَ باسم الأب والابن والرُّوح القُدُس"، فإذا ما فعل به القسِّيسُ ذلك مسح الماءَ عنه مرَّةً ثانية بمنديل أو بمنشفة، وبذلك يكون الرجلُ قد دخلَ في دينِ النَّصرانية وقد تغَطَّسَ، وقد شُهِدَ وحُكِمَ له بدخول الجنَّة! على حدِّ زعمِهِمْ، وعلى حدِّ كُفرِهِم، تعالى الله عمَّا يقولُ المُبطِلونَ عُلوًّا كبيرا.
أمَّا الأطفالُ فإنَّهم يُفعَلُ بهم ذلك فى اليوم الثامن من ولادتهم، يُغطَّسُونَ في اليوم الثامن؛ أيْ يُسكَبُ على رؤوسِهِم وأبدانهِم من هذا الماء في حوضِ الكنائس على يد قِسِّيسٍ يَعلمُ الحقَّ والباطل، وبذلك يكونوا قد دخَلوا فى دين النَّصرانية والعياذُ بالله.
هذه هي القاعدة الأولى أيُّها الأحباب بإيجازٍ شديدٍ من قواعد دينِ النَّصارى.
تعرَّفوا على الحقِّ والباطِلِ، فكَمْ مِنَ المسلمينَ يعرِفُ عن دين النَّصارى شيئاً؟!، بل وكمْ منَ المسلمينَ يعرِفُ عن الإسلام حَقيقَتَه؟!، ويعرفُ عنه جَوهَرَه؟!، إلَّا من رحِمَ الله جلَّ وعَلا.
القاعدة الثانية من قواعد دين النَّصارى هي "التَّثليث":
والتثليث هو أنَّه ينبغي على النَّصراني أن يعتقدَ بأنَّ الله ثالثُ ثَلاثَة، وأنَّ عيسى لهُ طبيعتين: طبيعةُ النَّاسُوتِية وطبيعة اللَّاهوتِيَة، وتلكَ الطَّبيعتان تصيرُ شيئاً واحداً، فعيسى لاهوتٌ من جنسِ أبيه أيْ إلهٌ من جنس أبيه وناسوتٌ من جنس أمِّه، أيْ إنسانٌ من جنس أمِّه فهو لاهوتٌ وناسوتٌ في آنٍ واحد.
صار اللَّاهوتُ ناسوتاً وصار النَّاسوتُ لاهوتاً كما يقولُ النَّصارى فصَارتِ الطَّبيعتَانِ شيئاً واحداً؛ فعيسى إلهٌ من جوهرِ أبيه وناسوتٌ من جوهر أمِّه والعياذُ بالله.
ومنهم من يقول: إنَّ الثلاثة هم: الله وعيسى ومريم؛ الله أبٌ لعيسى، وعيسى ابنٌ لله، ومريم زوج لله!! والعياذ بالله..
هكذا يقول النَّصارى بطوائفهم جميعاً المَلْكية واليعقوبية والنَّسطورية والمريمانية كلُّهم يُقِرُّونَ بذلك ويعتقدُونَ ذلك بأنَّ الله ثالثُ ثلاثة إلهٌ، وابنٌ وزوجٌ الله عيسى ومريم! والعياذ بالله، تعالى الله عمَّا يقولُ النَّصارى عُلوّاً كبيراً...
واللهُ جلَّ وعلا حكَمَ عليهم بالكفر لتلك العقيدة الخبيثة وتلك العقيدةِ الفاسدة فقال الله جلَّ وعلا: {لَقَدْ كفَرَ...} قد في اللُّغة العربية للتحقيق فلا يأتي مُتنطِّع ولا مُنافِق لِيَتَّهِمَ أهلَ الدَّعوةِ والدُّعاة اللَّذين يحكُمُونَ على النَّصارى بالكُفرِ، ويقول بأنَّ الدُّعاة متشدِّدون لأنَّهم يحكمون بالكفر على النَّاس.
انتبـه يا هذا واعْلم بأنَّ الذي حَكَمَ بالكفر عليهم هو الله، فقال جلَّ وعلا: {لَقَدْ كفَرَ ...}، وقد للتحقيق في اللُّغة العربية، {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلَّا إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ...} [المائدة: 73].
وقال جلَّ وعلا: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَـٰنُ وَلَدًا ﴿٨٨﴾ لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ﴿٨٩﴾ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ﴿٩٠﴾ أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدًا ﴿٩١﴾ وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا ﴿٩٢﴾ إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَـٰنِ عَبْدًا ﴿٩٣﴾ لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ﴿٩٤﴾ وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [سورة مريم: 88 - 95].
وقال الله جلَّ وعلا في سورة البقرة: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّـهُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۖ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ﴿١١٦﴾ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [البقرة: 117-116].
{وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّـهُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۖ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} [البقرة: 116]، عابدون، ساجدون، لا يخرجون عن قدرتِهِ وإرادته، {كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ﴿١١٦﴾ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [البقرة: 117-116]، فإنما أمرُهُ جلَّ وعلَا بين الكاف والنُّون لا يُسألُ عمَّا يفعل وهُمْ يُسأَلون،
وحينما خافت مريم قالت: {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا} [سورة مريم: 18]؛ أي إن كنت تتَّقي الله وتخاف الله، قال: {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ﴿١٩﴾ قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} [سورة مريم: 19-20]؛ لم أكن زانية، لم أكن منَ البُغاة لأسمح لمخلوق أن يفعل بي هذه الفاحشة، {قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ﴿٢٠﴾ قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا} [سورة مريم: 20-21]، انتهى الأمر {وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً} إنَّما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون أمرُهُ بين الكاف والنون...
فهم يقولون بأنَّ الله ثالثُ ثلاثة والله جلَّ وعلا يقول: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ} [المائدة:73 ]، هو الواحد الأحد الفرد الصَّمد الذي لم يلد ولم يولد، سَبُّوا الله، وشَتموا الله، ونسَبُوا لله الولد، والله جلَّ وعلا يقول في حديثِهِ القُدُسيّ الجليل الذي رواهُ البخاريُّ من حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلَّم قال: قال الله تعالى: «شتمني ابن آدم وما ينبغي له ذلك»، شتَمْتَ ربَّكَ يا ابن آدم وكذَّبْتَ ربَّك يا ابن آدم، يقول: «شتمني ابن آدم؛ وما ينبغي له أن يشتمني، وكذبني؛ وما ينبغي له أن يكذبني، أما شتمه إياي فقوله: إن لي ولدا، وأنا الله الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد»، شتمْتَ الله يوم نَسبْتَ له الولد «أما شتمه إياي فقوله: إن لي ولدا، وأنا الله الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد، وأما تكذيبه إياي، فقوله: ليس يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته» [صححه الألباني].
إنَّ الذي خلق من العدم أليس بقادرٍ على أن يُعيد من موجود؟! أوليس أوّل الخلق بأهونَ عليَّ من إعادته؟!!.. إنَّما أمرُهُ بين الكاف والنُّون لا يُعجِزُه شيءٌ في الأرض ولا في السَّماء..
هو الواحد الأحد الفرد الصَّمدُ الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد، هو الواحد الذي لا ضدَّ له، وهو الصَّمد الذي لا مُنازع له، وهو الغنيُّ الذي لا حاجة له، وهو القويُّ الذي لا يُعجزُه شيءٌ في الأرض ولا في السَّماء، وهو الأوَّل فلا شيءَ قبله، وهو الآخِر فلا شيءَ بعده، وهو الظَّاهر فلا شيءَ فوقَه، وهو الباطن فلا شيءَ دُونَه، وهو على كُلِّ شيءٍ قدير.... هذه هي القاعدة الثانية .
أمّا القاعدة الثالثة من قواعد دين النَّصارى هي اعتقادُهُم اتحاد عُقنوم الابن ببطن مريم:
فهُمْ يقولون بأنَّ الله جلَّ وعلا والعياذُ بالله قد غضِبَ على البشرية جميعاً وعاقب آدمَ وذُرِّيَتَهُ بخطيئة ِآدم ولأكلِهِ من الشَّجرة، ولكنَّ الله أراد أن يمتنَّ على البشرية وأراد أن يمتنَّ على النَّاس فأرسَلَ ولدهُ عيسى فالتَحَمَ ببطن مريم والعياذ بالله، ثم ولدته ثم صار إنساناً ثم قُتِل ثم دُفِن ثم صار حيّاً بعد ثلاثةِ أيَّامٍ من دفنه وصَعَد إلى السَّماء وجلس عن يمين أبيه، ثم نزل إلى جهنَّم فأخرج آدم منها وذُريَتَه من جميع الأنبياء والمرسلين والعياذ بالله.
وهذه فكرةٌ من أخطر فِكَرِ النَّصارى.. لماذا؟!!
لأنَّ هذه الفكرة يقولون ويعتقدون بأنَّ عيسى صُلِب ليُكَفِّر عن البشر خطاياهُم، وهي فكرةٌ نصرانية خطيرة تُنافي المسؤوليةَ الفرديةَ في دين الله -جلَّ وعَلَا-؛ يقولون بأنَّ عيسى ما صُلِب إلَّا ليتحمَّلَ خطايا البشر وإلَّا ليُكَفِّر عن البشر ذنوبهم وإلَّا ليرفَعَ عن البشر خطاياهم -تعالى الله عن ذلك عُلوًّا كبيرا-...
ولكن ماذا يقول الله؟!.. ماذا يقول الله -جلَّ وعلا- ردًّا على هذه الأكاذيب وتلك الأباطيل؛ لأنَّ هذه الفكرة كفيلةٌ بأن تملأ الأرض بالذنوب والمعاصي، فليفعَلْ كلُّ واحدٍ ما شاء أن يفعلَه من الذنوبِ والمعاصي، وليدخل في دين النَّصرانية وهو مطمئنٌ تمامَ الاطمئنان أنَّ عيسى سيتحمَّل عنه خطيئته ويرفع عنه ذنوبه؛ لأنه ما صُلب إلا من أجل ذلك.
فكرةٌ رهيبة وفكرةٌ خطيرةٌ تُنافي المسؤليةَ الفردية التي قال الله -جلَّ وعلا- عنها في القرآن، أعوذ بالله من الشيطان الرَّجيم: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا ﴿١٣﴾ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴿١٤﴾ مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا} [سورة الإسراء: 13-15].
ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى لا تحمِلُ نفسٌ ذنبَ نفسٍ أخرى أبداً، {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً}، {اقْرَأْ كَتَابَكَ}.. اِقرأ أنت {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً}..
ويقول الله جلَّ وعلَا في سورة الكهف: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ﴿٤٧﴾ وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا ﴿٤٨﴾ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 47-49].
نعم.. نعم..
تذكَّر وُقوفَكَ يوم العرض عُريانا ***مستوحشاً قلِقَ الأحشاء حيرانا و النار تلْهبُ من غيظٍ ومن حنق ***على العصاة وربُّ العرش غضبانا اِقرأ كتابك يا عبدي على مهلٍ ***فهل ترى فيه حرفا غير ما كانا فلمَّا قرأت ولم تنكر قراءته و أقررت *** إقرار من عرف الأشياء عرفانا نادى الجليل خذوه يا ملائكتي*** وامضوا بعبد عصى للنار عطشانا المشركون غدا في النار يلتهبوا*** والموحدون بدار الخلد سكانا
أقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا...
فهم يقولون بأن عيسى ما صُلب إلاَّ ليرفَعَ عن البشر خطاياهم وتعالى الله عمَّا يقولُ النَّصارى علُوًّا كبيرا
أمَّا القاعدةُ الرَّابعة من قواعد الدِّين عندَ النَّصارى هي قاعدةُ الإيمان بالقُربان:
فما هي هذه القاعدة؟!.. استمعوا وتعلَّمُوا..
الايمان بالقربان معناه أنَّ في كلِّ كنيسةٍ قسيسٌ كبيرٌ يقوم على شؤونها، هذا القسيس يريد أن يأخذ الأموال ويأكُلَ أموال الناس بالباطل فماذا يصنع؟!
يأتي بفطيرةٍ من الخبز -الذي يقول ذلك الكلام قسٌّ أسبانيّ عاش بين أحضان الكنائس وشرب من ماءها، وأكل من أموالها، وتزيَّ بزيِّها، ولكنَّ الله شرحَ صدرَهُ للإسلام، ليس هذا كلامُنا أبداً، كلام قسيس مسلم أسلم لله- ..
يقول: فيأتي هذا القسُّ بفطيرةٍ من الخبز وبزجاجةٍ من الخمر -بكأسٍ من الخمر وفطيرةٍ من الخبز- ويأمرُ بضرب النَّاقوس فيجتمعُ النَّصارى لصلاتهم، فإذا ما اجتمع النصارى ووقف النصارى صفوفاً، جاء هذا القسيس على هذه الفطيرة ووقف أمامها، وقرأ عليها بعض الكلمات التي لا تسمع، ثم يقول للناس فجأة: "هكذا صارت الفطيرة جسد عيسى"!!، ويقرأ على كأس الخمر بعض الكلمات، بمنتهى السَّذاجة والبلاهة فيقول لهم: "وهكذا صار هذا الكأسُ دم عيسى"!!، ثم يسجد للفطيرة أمامَهُم، ويقول: "أنتِ إله السموات والأرض، أنتِ الإله المسيح، أنت ابنُ الله، أنتَ الذي جالسٌ الآن على يمين أبيك"!!.. إلى آخرِ هذا الكذب، وذَلكُمُ الهُراء، وتِلكُمُ التَّفاهات، ثم يسجدُ لها القسيس فيخرُّ النصارى من خلفِهِ سُجَّداً لهذه الفطيرة التي هي مصنوعةٌ من الخبز، ثم يرفع كأس الخمر ويقول: "لقد صار هذا الكأس دم عيسى"!!، ويقول لهم: "لقد قال إلهُنا المسيح عيسى ابن مريم للحواريين بعدما قدَّمَ لهم كأساً قبل موته قال لهم: اشْرَبوا فإنَّ هذا دمي، فيخِرُّ النَّصارى سُجَّداً لهذا الكأس"!!، وبعد ذلك يقدِّمون ما شاء هذا القسِّيسُ منَ القرابين ومنَ الأموال الذي يأكلها هو في بطنه نارًا حراماً، فإذا ما انصرفوا جلس بمفردِه ليستمتع بوجبةٍ دسمة مُكونة من هذه الفطيرة وكأس الخمر وهذا هو الأهم.
هذه هي القاعدة الرابعة هُراء وكذبٌ وباطلٌ.. وهم يعلمون الحقّ.. اِي واللهِ يعلمون الحقّ ولكنَّهم يُصِّرون على الباطل هذه هي قاعدتهم الرابعة من قواعد دينِهِم الخمس.
وأرجع الحديث عن القاعدة الخامسة إلى ما بعد جلسة الإستراحة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه من كلِّ ذنب إنَّه هو الغفور الرَّحيم.
الحمد لله ربِّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُه اللَّهم صَلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلِّم أما بعدُ..
فيا أيُّها الأحبةُ في الله هذه قواعد الدِّين عند النَّصارى: تغطيسٌ وتثليثٌ واتحاد عُقْنُوم وإيمانٌ بقُربان.
أمَّا القاعدة الخامسة فهي قاعدةُ الاعتراف والإقرار بجميع الذنوب للقسِّيس:
وهذه القاعدةُ تفرِضُ على كلِّ نصراني إذا ما أراد أن يدخُلَ الجنَّة أن يذهبَ إلى قسِّيسِ كنيستِهِ وأن يُقِرَّ له ويعترف له بجميع ذنوبه ومعاصيه، وهم يعتقدون أنَّه لو ذهب إلى القسِّيس وأخفى عليه ذنباً واحداً لا ينفعُهُ إقراره واعترافه بذنوبه لهذا القسِّيس.
فضائح والله -جلَّ وعلا- ستِّيرٌ يحبُّ السِّترَ، إن ارتكَبْتَ معصيةً وستَركَ الله فإنَّ من أقبح القُبحِ أن تكشِفَ سترَ الله عليك، والله ستِّيرٌ يحبُّ السِّت،ر والرَّسول صلى الله عليه وسلم يقول: «..ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة..» [رواه مسلم]..
ولكنَّهُم يذهبونَ ليعترفوا بالذُّنوبِ... لماذا؟!
لأنه إذا ما أحسَّ بموتٍ أو بمرضٍ ذهبَ إلى القسِّيس واعترفَ له بجميع ذنُوبهِ ومعاصِيهِ ويقدِّمُ القرابينَ والأموال؛ فيُعطيه القسِّيسُ بناءاً على ذلك صَكّاً بغُفرانِ جميع ذنوبه!!... اِطمئن قدِّم وعلى قدر ما تُقدِّمُ من المال والعَطاء على قدرِ ما تكونُ مغفرتُك!!
ولقد استهزأ بعضُهُم يوماً فقال: "إنِّي سأذهبُ إلى القسِّيس لأشتري منه كلَّ صُكوك الغُفران، فذهبَ إليه وأعطاه أموالاً طائلة وقال لما كلُّ هذا المال قال: إنِّي أتيتُ اليوم أشتري منك جميعَ صُكوكِ الغفران التي عندَك، فباعَهَا له القسِّيس، ثم أذاعَ هذا الرجلُ في النَّاس وقال: لا تذهبوا بعد اليوم للقسيس لأنَّهُ لم يعُد يملكُ صكّا واحداً فإنِّي اشتريتُ جميع الصُّكوك فحزن القسِّيسُ وعلِمَ أنَّ الصَّفقةَ خاسِرة ثم عاد واشتراها منه بأضعفَ ما دفَعَ إليه منَ الأموال"!!
سبحان الله العظيم... ما هذا؟!!
إنَّ الذي يغفِرُ الذنوبَ هو الله وإنَّ الذي ينبغي أن تعترف له بجُرمكَ وذنبكَ هو الله حتَّى الواسطةُ بينك وبين الله قد رُفضَت في دينِ الله -جلَّ وعلا- ... اسمَعُوا ماذا قال الله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي} [سورة البقرة: 186]، يا محمَّد يا أشرفَ الخلقِ عند الله ويا أعظمَ الرُّسلِ عند الله {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ}.. لم يقل الله فقلْ لهم حتَّى يكونَ محمدٌ صلى الله عليه وسلم واسطةً بين الله وبين عباده... لا إذا سألتَ فاسألِ الله، وإذا أستعنْتَ فاستعنْ بالله، وإذا طلبْتَ فاطلب من الله، وإذا اعترفْتَ فاعترِفْ لله، وإذا توكَّلتَ فتوكَّلْ على الله، وإذا لجأتَ فالجأ إلى الله وإذا طلبْتَ فاطلُبْ منَ الله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [سورة البقرة: 186].
هذا بإيجاز عن قواعدِ دينِ النَّصارى الخمس، وفي اللقاء المقبل إن قدر الله جلَّ وعلا لنا اللِّقاء سنُكملُ هذه المقدمة لنتعرف على دين القوم، ولنسجد لله شُكراً أنَّنا موحدون لله -جلَّ وعلا- ومتبعون لسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.
والله إنها نعمة ينبغي أن لا نغفل عن شكرها لله نعمةُ الإسلام ونعمةُ الإيمان وذلك فضلُ الله- جلَّ وعلا - ليس الفضل منَّا وليس الاختيار لنا إنَّه فضلُ الله ابتداءً وانتهاءً فاسجدوا للهِ شكراً أيُّها الموَحِّدونَ واحمَدُوا الله أنَّكم من المتَّبِعينَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن المؤمنين بعيسى ومن المؤمنين بمحمد {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285].
وصدق من قال: وممَّا زادني فخراً وتيهآ ***وكِدتُ بأُخمُصِي أطأُ الثُّريا دخولي تحت قولكَ يا عبادي*** وأن صَيَّرْتَ أحمدَ لي نبيّا
أسأل الله -جلَّ وعلا- الذي امتنَّ علينا بنعمة التوحيد ونعمة الإيمان أن يتوفَّانا على التوحيد والإيمان إنَّه وليُّ ذلك ومولاه وهو على كلِّ شئٍ قدير.
اللَّهمَ اختم لنا بخاتمة التَّوحيد والإيمان..
اللَّهمَ أخرجنا من الدنيا على لا اله إلَّا الله..
اللَّهمَ ثبِّتنا على الإيمان..
اللَّهمَ يا عالمَ السرَّ منَّا لا تكشف السِّترَ عنَّا، اللَّهمَ يا عالمَ السرَّ منَّا لا تكشف السِّترَ عنَّا اللَّهمَ يا عالمَ السرَّ منَّا لا تكشف السِّترَ عنَّا، اللَّهمَ استُرنا ولا تفضَحْنا وأكرِمْنا ولا تُهِنَّا وكن لنا ولا تكن علينا.
اللَّهمَ لا تَدَع لأحدٍ منَّا ذنباً إلَّا غفرته ولا مريضاً إلَّا شفيته ولا دَيناً إلَّا أديته ولا هما إلَّا فرَّجته ولا ميتاً إلَّا رحمته ولا عاصياً إلَّا هدَيتَه ولا حاجةً هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلَّا قضيتها ويسَّرتها يا ربَّ العالمين.
اللَّهمَ ارفع البلاءَ عن المسلمين اللَّهمَ ارفع البلاء عن المسلمين اللَّهمَ ارفع البلاء عن المسلمين، اللَّهمَ لا تُؤاخِذنا بما فعل السُّفهاءُ منَّا.
اللَّهمَ ارفع مَقتك وغضبك عنَّا، اللَّهمَ ارفع مَقتك وغضبك عنَّا.
اللَّهمَ ألِّف بين صفوف المسلمين اللهم ألِّف بين قلوب قادتهم يا رب العالمين اللهم ألِّف بين قلوب قادتهم وحكامهم يا رب العالمين.
اللَّهمَ اهدِهِم للحقّ، اللَّهمَ اهدِهِم للحقّ، اللَّهمَ اهدِهِم للحقّ.
اللَّهمَ ألِّفْ قلوبهم ووحِّدْ صُفوفهم ولا تجعل للشيطان تأثيراً على صدورهم يا أرحم الراحمين اللَّهمَ انصُر الإسلام وأعزَّ المسلمين وأَعلي بفضلكَ كلمتيْ الحقّ والدين.
هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم فان الله قد صلَّى عليه وصلَّت ملائكته عليه وأمركم بالصلاة عليه فقال جلَّ من قائل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [سورة الأحزاب: 56].
اللهم صلي وسلِّم وزد وبارك على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وارضَ اللَّهمَ عن صحابته هؤلاء الذين رفعوا راية التوحيد وبذلوا كلَّ رخيصٍ وغالي في سبيل نُصرة هذا الدين وفي سبيل تثبيت عقيدة لا إله إلَّا الله، اللَّهمَ ارض عنهم واجمعنَا بفَضلِكَ وكرمِكَ و إيَّاهُم في مستقرِّ رحمتك فى يومٍ لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون إلَّا من أتى الله بقلبٍ سليم..
أحبَّتي في الله ما كان من توفيقٍ فمنَ الله - جلَّ وعلَا- وما كان من خطأ أو سهوٍ أو نسيانٍ فمنِّي ومن الشيطان واللهُ ورسولُه منهُ بَرَاء وأعوذ بالله أن أذكِّرَكُم به وأنساه.
الحمد لله الذي لم يتَّخِذ ولَداً ولم يكن له شريكٌ في المُلك وما كانَ معهُ من إله، الذي لا إله إلَّا هو فلا خالقَ غيرُهُ ولا ربَّ سواه، المستحقُّ لجميع أنواع العبادة ولِذَا قضى ألَّا نعبُدَ إلَّا إيَّاه، ذلك بأنَّ اللهَ هو الحقّ وأنَّ ما يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الباطلُ وأنَّ اللهَ هو العليُّ الكبير.
أحمَدُكَ يا ربِّي وأستعِينُكَ وأستغفِرُكَ وأستهديكَ لا أُحْصِي ثَنَاءاً عليك أنتَ كما أثْنيْتَ على نفسِك جَلَّ ثناؤك وعَظُمَ جاهُك ولا إلهَ غيرُك.
و أشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له هو الواحد الذي لا ضدَّ له وهو الصَّمدُ الذي لا مُنازِعَ له وهو الغنيُّ الذي لا حاجةَ له وهو القويُّ الذي لا يُعْجِزُهُ شيءٌ في الأرضِ ولا في السَّماء وهو جبَّارُ السَّماواتِ والأرض فلا رادَّ لحُكمِه ولا مُعقِّبَ لقضائه وأمرِه.
وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُه وصفيُّهُ من خلقِهِ وخليلُه أدَّى الرسالة وبلَّغَ الأمانة ونَصَحَ الأمَّةَ وكشَفَ اللهُ به الغُمَّة وجاهَدَ في الله حقَّ جهادِه حتَّى أتاهُ اليقين، فاللَّهم اجزِهِ عنَّا خيرَ ما جازيتَ نبيًّا عن أمَّتِه ورسولاً عن دعوته ورسالته وصَلِّ اللَّهم وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وعلى كلِّ من سار على دربه واستنَّ بسُنَّته واهتدى بهديه واقْتَفَى أثَرَهُ إلى يوم الدِّين.
المحاضرة الثانية:
أما بعدُ فيا أيُّها الأحبةُ في الله مع اللِّقاء الثاني من لقاءاتِ تفسيرنا لسورة مريم وتعرَّفنا في اللقاء الماضي على قواعد الدين عند النصارى هذه القواعد الخمس التي ذكرها لنا القسُّ الأسباني الذي أسلم انسيلم ثورنيدا وهي: "التثليث والتَّغطيس واتحاد العُقْنُوم والإيمانُ بالقُربان والاعتراف والإقرار بجميع الذنوب للقسيس"، وشرحناها بالتفصيل في اللقاء الماضي، بقيَ لنا فى المقدمة قبل أن ندخل على تفسير السورة أن نتعرَّفَ على قصة الصليب وأن نتعرَّفَ على الأدلة التي استدلَّ بها النصارى على ألوهية المسيح والعياذ بالله.
ما هي قصةُ الصليب؟!
وما هي علاقةُ الصليب بدين عيسى؟!
وما هي علاقة الصليب بعيسى عليه السلام؟!
وما الذي جعل النصارى تستدلُّ على أنَّ المسيح اله أو ابن للإله والعياذ بالله،كما قالت طوائف النصارى الملكية واليعقوبية والنَّسطورية والمريمانية، ما الذي جعلهم يستدلُّون على ألوهية المسيح والعياذ بالله.
قصة الصليب أيها الأحباب نقولها للنصارى المنصفين لمن أراد أن يصل إلى الحق أو أن يبحث عنه ونقولها أيضا للمسلمين؛ ليتعرفوا الحق من الباطل، وليسجدوا لله شكراً أنهم من الموحِّدينَ لله -جلَّ وعلَا- ومن المنتسبين لدين محمد صلى الله عليه وسلم.
قصة الصليب كما ذكرها الإمام ابن القيِّم في كتابه القيِّم (إغاثةُ اللَّهفان)، وكتابُهُ الآخر (هداية الحيارى للردِّ على أجوبة اليهود والنَّصارى) يقول رحمه الله: "بأنَّ النصارى يزعُمُونَ أنَّه لما صُلب المسيح والعياذ بالله وقُتل ودُفن وصار حيًّا بعد ثلاثة أيام من دفنه ورُفع إلى السماء ليجلس عن يمين أبيه، كان تلاميذ المسيح الأوفياء يذهبون إلى موضع الصَّلب وإلى موضع القبر فيُصَلُّون عنده ويبكون عنده، فلما رأت اليهود ذلك علِمَت أنه سيكون لموضع الصَّلب والقبر شأناً عظيما، فأراد اليهود أن يُلغوا أثرَ هذا الصَّلب وأثر هذا القبر فجاءوا على موضع القبر الذي دفن فيه عيسى بزعمهم ووضعوا عليه التراب والقاذورات والنجاسات حتى يُزيلوا له كلَّ أثر، إلى أن جاء عهد الملك قُسطنطين وجاءت أمُّه النصرانية وطلبت منه الصليب الذي صُلب عليه السيد المسيح، فأخذ يبحث الملك ويفتش فدلُّوهُ على موضع القبر الذي دفن فيه المسيح وصيّرَهُ اليهود مزبلةً عظيمة للتراب والنجاسات فذهبوا إليه وأزالوا عنه التراب والنجاسات وطهَّروا المكان حتَّى وصلوا إلى القبر الذي دُفن فيه عيسى بزعمِهِم وأخرجوا من القبر بعدما فتحوه ثلاثةً من الصُّلبان الخشبية.
فقالت أم الملك كيف نتعرَّف على الصليب الذى صُلب عليه السيد المسيح؟!.. فنظرت فوجدت رجلاً شديد المرض يقف إلى جوارها عجز الطب عن إبرائه ودواءه، فجاءت فوضعت الصَّليبَ الأول عليه فلم يُشْفَى، فوضعت الصَّليبَ الثاني عليه فلم يُشْفَى، فوضعت الصَّليبَ الثالث عليه فَشُفِىَ الرجل في الحال وقام وكأنَّما نشِط من عِقال فقالت: إذاً هذا الصليب هو الصليب الذي صُلب عليه السَّيد الإله المسيح فلفَّتْهُ في غلافٍ قـيِّم من الذهب وأرسلت به إليه بولدها الملك قسطنطين فسجدوا له من يومِها من دُونِ الله -جَلَّ وعَلَا- ... أتدرون كم كانت المدة بين ميلاد المسيح وبين ظهور أول صليب سجد له النصارى وعبَدَهُ النصارى من دون الله؟!.. بل إذا أراد الواحد منهم أن يحلِف صادقاً حلف بهذا الصَّليب وإن أراد أن يحلِفَ كاذباً حلف بالله -جَلَّ وعَلَا!-
أتدرونَ كم كانت المدة بين ميلاد المسيح وبين ظهور أول صليبٍ للنصارى؟!
كانتِ المدةُ كما ذكر ابن القيِّم عليه رحمة الله: ثلاثمئة وثمانية وعشرون سنة!
ثلاثمئة وثمانية وعشرون سنة بين ظهور أول صليب عبده النصارى وبين ميلاد المسيح عليه السلام.
ومن يومها قُدِّسَ الصليب ومُجِّد الصليب وعُظِّمَ الصليب بل وسُجِدَ للصليب من دون الله -جَلَّ وعَلَا!- ، وإنِّي أسأل، أسأل النصارى الذين يريدون أن يصلوا إلى الحق والحقيقة، وأقول أُنظروا وتفكَّروا معي إلى هذه الأكذوبة الباطلة.
أيُّ صليبٍ خشبيٍّ هذا الذي يبقى تحت التراب طيلة هذه السَّنوات ولا ينخَرُ ولا يبلى؟!!.. هذا سؤال.
السؤال الثاني: هذا الصليب الذي شفى المريض في الحال ألم يكن من الأوْلَى والأجدر أن يُحيِيَ الإله الذي صُلب عليه؟!
السؤال الثالث: هذا الصَّليب الذي تعظمونه وتقدسونه كم كان بينه وبين ميلاد المسيح؟!، وما علاقةُ هذا الصليب بدينِ المسيح عليه السلام؟!
السؤال الرابع: أخبرونا أيها النصارى حينما صُلب الإله كما تزعُمُون، ووُضِعَ على خشبةِ الصَّلب وسُمِّرَت يداهُ بالمسامير كما تقولون أنتم في أناجيلكم.. نسألُكُم مَنْ كان المُمْسِكُ للسَّموات والأرض حينما صُلب الإله؟!، أين كان فَاطِرُهَا وخَالِقُهَا الذي تقولون عنه يا من بيده قد أُثقِلَتِ العوالم؟!
هذا المسيح الذي تقولون بأنَّه قد أثقل العوالم بيديه وأنَّه هو الإله أين كان إلهُ السَّموات والأرض حينما صُلِبَ هذا الإله على خَشَبة الصليب.. من كان الممسك للسموات والأرض؟!.. أم ستقولون بأنه قد وَلَّىَ إلهاً غيرَه ليُمسك السَّموات والأرض وهو على خشبة الصليب؟!
أسئلة لابد أن نتفكر فيها ولابد أن نقف عندها لنتعرَّف على الحقِّ من الباطل ثم ما الذي جعلكم تستدلُّونَ على ألوهية هذا المسيح؟!
إن قلتُمْ بأن الذي صُلب كان الناسوت دون اللاهوت؛ أي كان البدن وحده دون اللاهوت أي دون صفة الألوهية -لأنهم يقولون بأن عيسى ناسوتٌ من جوهر أمه، ولاهوتٌ من جوهر أبيه؛ أي لاهوت أي به صفة الألوهية لأبيه، وبه صفة الإنسانية لأمِّه-... فإن قلتم بأن الذي صُلب كان الناسوت دون اللَّاهوت، فإنكم تقرُّونَ بذلك أن اللاهوت قد فارق الناسوت وأن الذي صلب جسدٌ عادي وليس بإلهٍ قَطّ.
وإن قلتم بأن الذي صلب اللاهوت والناسوت في آنٍ واحد فإنَّكم بذلك تقرُّون بأنَّ الإله الذي تزعمون قد صلب وقد قتل وقد عجَزَ على أن يدفع عن نفسه القتل والموت فهل يصير بذلك إلهاً؟!
أَعُبَّادَ المسيح لنا سؤالُ *** نريد جوابه ممن وَعَاهُ إذا مات الإله بصُنع *** قومٍ أماتوه فهل هذا إلهُ؟
إلهٌ يُقتل ولا يدفَعُ عن نفسه القتلَ والأذى!!
أَعُبَّادَ المسيح لنا سؤالٌ *** نريد جوابَهُ ممَّنْ وعاهُ إذا مات الإلهُ بصنعِ *** قومٍ أماتوهُ فهل هذا إلهُ؟
و يا عجباً لقبرٍ ضمَّ ربًّا *** وأعجَبُ منه بطنٌ قد حَوَاهُ أقام هُناك تسعاً من شهورٍ *** لدى الظُّلماتِ من حيضٍ إناهُ
وزف الفرج مولوداً صغيراً *** ضعيفاً فاتحاً للثدي فاهُ و يأكل ثم يشرب ثم يأتي *** بلاذ لذاك فهل هذا إله؟
تعالى الله عن إفك النصارى *** سيُسأل كلُّهُم عمَّا افتراهُ
فما الذي جعلكم تستدلُّون بالرغم من كلِّ ذلك على ألوهية المسيح؟!
يقولون : استدللنا على أُلُوهية المسيح بأنه لم يكن بشراً عادياً ككلِّ البشر ولو كان المسيح بشراً عادياً لَوُلِدَ المسيحُ كما يُولَدُ البشر من أبٍ ومن أم.
ونحن نقول : بأنَّكم إنِ استدللتم بهذا على أُلُوهية المسيح فاستدلالكم هذا استدلالٌ باطلٌ عقلاً وشرعاً... لماذا؟!
لأنكم إن استدللتم على أُلُوهية المسيح بأنه لا أب له، فإننا نقول لكم إن آدم إله لعيسى، إن كان عيسى قد صار إلها لأنه لا أب له وجاء من أم فقط، فإن آدم إله لعيسى لأن آدم لا أب له ولا أم له هذا أولى، وبالرغم من ذلك فهو أبطل الباطل لأن آدم ما ادَّعى وما زعم أنه إله من دون الله -جَلَّ وعَلَا- ... أو هل صار آدم حينما خلقه الله بغير أب أو أم هل صار آدم بذلك إلهاً ؟!.. أبدًا..
وإنِ استدللتم على أُلُوهية المسيح لأنه أحيا الموتى ولا يُحْيى الموتى إلا إله... نقول لكم: بأنَّ هذا الإستدلالَ أيضاً استدلالٌ باطل لأن الذي أحيا له الموتى إنما هو الله -جَلَّ وعَلَا-، بل وبالرغم من ذلك ليس عيسى هو أول من أحيا الله له الموتى؛ لأنَّ موسى أحيا سبعينَ رجلا من بني إسرائيل، أحياهم بعدما أماتهم الله -جَلَّ وعَلَا-؛ فموسى أحيَا اللهُ له الموتى، وقصَّةُ الرجلِ الذي في سورة البقرة أحياهُ اللهُ - جَلَّ وعَلَا - لموسى أيضاً {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا..} [سورة البقرة: 72]؛ أي فاختلفتم فيها {.. وَاللَّـهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ﴿٧٢﴾ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ۚ كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّـهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [البقرة: 72-73].
أحيا الله -جَلَّ وعَلَا- الموتى لموسى عليه السلام، بل وأحيا الله الموتى لخليله إبراهيم {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا...} [البقرة: 260]..
أحياها الله -جَلَّ وعَلَا- ... يا إبراهيم خُذ أربعةً من الطير وهذا أبلَغ، يا إبراهيم خُذ أربعةً من الطير فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ أيْ تعرَّف عليهنّ، ذَبّحَهَا إبراهيمُ الخليل وقطّعَهَا وخَلَطَ العظم بالريش باللحم حتى قال ابن كثير -عليه رحمة الله - أنَّه احتفظ برؤوسِها معه، اِحتفظَ برؤوس هذا الطير بين يديه، ووضَعَ على كلَّ جبلٍ كوماً من العظم واللحم والرِّيش المختلط ووقف إبراهيم ونادى على هذه الطيور وفي يدِهِ رأسُ كلِّ طير على حِدَى فلمَّا نادى عليها الخليل أحياها الله -جَلَّ وعَلَا- ، له وأمرَها الله -جَلَّ وعَلَا- أن تأتيَ الخليل، لم يقُلْ: "طيرًا"، وإنما قال: {سعيًا}؛ لأنَّه لو قال طيرًا لجاءت تطير إليه في السماء، بين طيور السماء، والتَبسَ عليه الأمر فلم يعلم طيورَهُ التي عَلَّمَهَا، وإنما قال: {تأتينَك سعياً} أي تمشي حتى تراها وتتحقَّق وتتأكد منها، وجاءته الطيور، حتى قال ابن كثير -عليه رحمة الله- : "إذا جاءه طائر وقدَّم له إبراهيم رأساً غير رأسه امتنع الطائر عن ذلك".
الله أكبر، لا إله إلا الله وقدَّم إبراهيم الرأس لكلِّ طائر فبِقَدَرِ الله وقُدرتِه -جَلَّ وعَلَا- يكتمل الطائر ويطير وأحياه الله -جَلَّ وعَلَا- بعد هذه الحالة التي صَيَّرَهَا إبراهيم من ذبحٍ وخلطٍ أحياها الله -جَلَّ وعَلَ - ثم ادعوهنَّ يأتينك سعيا .. فهل صار إبراهيم بذلك إلهاً؟!.. أبداً.
إذًا... إستدلالكم على أنَّ عيسى إله لأنه أحيا الموتى أيضاً استدلال لا يجوزُ عقلاً ولا شرعا.
وإن قلتم بأننا استدللنا على أُلُوهية المسيح لأنه أتى بالخوارق والمعجزات ما لم يأت بها بشر عادي؛ فإننا نقول لكم ونرد عليكم في هذه الجزئية ونقول: بأنه ما جاء أحد بالخوارق والمعجزات بمثل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
أبدا ما جاء أحد بمعجزة كما جاء النبي صلى الله عليه وسلم:
أولا : معجزته الخالدة الباقية التي تحدى اللهُ بها البشرية بل ومازال التحدي قائما إلى يوم القيامة ألا وهي القرآن: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ..} [سورة البقرة: 23-24]، أقول بأن التحدي مازال قائماً إلى يوم القيامة: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 23-24].
لأنَّ هذا القرآن أخبر بما كانَ وما هو كائنٌ وما سيكون، وهذه صفة علم الغيب التي لا يمكن أن تكونَ إلَّا لإلهٍ جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم فهل صار محمدٌ بالقرآنِ إلهاً؟!.. أبداً.
فضلاً عن المعجزات الحسِّية الأخرى التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم على سبيل المثال، ولن آتي بمعجزة إلَّا وهي في البخاري ومسلم وفي السنن والمسانيد على سبيل المثال:
انشقاقُ القمر:
فلقد طلب أهل مكة من رسول الله صلى الله عليه وسلم معجزةً وآيةً وعلامةً ودليلاً على صدق نبوته، فأمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم القمر وطلب من الله -جَلَّ وعَلَا- أن ينشقَّ له القمرُ في السماء نصفين، طلب الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينشقَّ له القمرُ في السَّماء نصفين، فانشقَّ القمر في السماء نصفين: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [سورة القمر: 1]، وحادثة انشقاق القمر رواها البخاريُ ومسلم والترمذي وأحمد وغيرهم من أصحاب السنن والمسانيد.
انشقَّ القمرُ لرسولِ الله في السماء حتى رآهُ أهل مكة، حتى المسافرين الذين كانوا في غير أرض مكة رأوا القمر قد انشق في السماء نصفين وجاءوا وأخبروا أهل مكةَ بذلك وبالرغم من ذلك لم يؤمنوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
معجزةٌ أخرى:
كلامُ الشجر والحجر، الشجرُ كَلَّمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قال القاضي عياض عليه رحمة الله في (الشفاء) بأنَّ قصةَ كلام الشجر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بلَغَتْ حدَّ التَّواتر المعنوي من القوة، رواها البخاري ومسلم وأحمد والترمذي وابن ماجة والبيهقى وغيرهم كَلَّمَ الشجر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي مسند البزَّار أنَّ رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا محمد أظهر لي آيةً وعلامةً على أنَّك رسول. فنظر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى شجرة بجواره، فقال: اِذهبْ إلى هذه الشجرة وادعُهَا وقُلْ لها رسول الله يدعوكِ فأقبلي إليه، فذهب الرجلُ ودعا الشجرةَ فاستجابَتْ، استجابت والله لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. لماذا؟!
لأنه ما مِنْ شيءٍ على ظهرِ هذهِ الأرض إلَّا ويعلَمُ التَّوحيدَ لله والنُّبُوةَ لرسول اللهِ صلى الله عليه وسلَّم إلَّا كَفَرةُ الإنس والجنّ، كما ذكر الحبيبُ في الحديث: «ما من شيء إلا يعلم أني رسول الله؛ إلا كفرة أو فسقة الجن والإنس» [قال الألباني صحيح بمجموع طرقه].
الكل يعلم أما سمعت قول الله -جَلَّ وعَلَا- : {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18]، ويقول الله -جَلَّ وعَلَا-: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} [الإسراء: 44].
الشجر استجاب وجاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، جاءتِ الشجرةُ مُلبية فتعجَّب هذا الرجل وقال للرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنتَ رسول الله حقاًّ فمُرْهَا فلْترجِعْ إلى مكانِهَا -سُبحان الله أليس الذي اقتلعها من جذورها بقادرٍ على أن يعيدها إلى مكانها- ؛ فأمرها الرسول صلى الله عليه وسلم فعادت.
يقول القاضي عِياض بأنَّ حادثةَ كلامِ الشَّجر وسَلامِ الشَّجر، لأنَّ الشجرةَ حينَما أقْبَلَتْ على رسول الله سلَّمَت عليه قائلة: "السلامُ عليكَ يا رسول الله".
لا تسأل عن الكيف؛ لأنَّ الذي يعلمُ الكيفَ هو الله والذي يقدِرُ على ذلكَ هو اللهُ -جَلَّ وعَلَا- ذكَرَها البخاريُّ ومسلم وغيرهُما.
كلامُ الحجر: يقول الحبيب صلى الله عليه وس
| |
|
ام سيف الله الاداره
الساعة الان : رسالة sms :
عدد المساهمات : 1658 تاريخ التسجيل : 05/05/2011 العمر : 47 الموقع : https://nobalaa.forumegypt.net/ المزاج : سعيده
| موضوع: رد: قصة الصليب الثلاثاء 13 سبتمبر 2011, 10:24 pm | |
| | |
|
mohamed2ooo عضو نشيط
الساعة الان : رسالة sms :
عدد المساهمات : 72 تاريخ التسجيل : 28/06/2011 الموقع : https://nobalaa.forumegypt.net/ المزاج : طيب
| موضوع: رد: قصة الصليب السبت 15 أكتوبر 2011, 9:07 pm | |
| | |
|
الديزل كبار الشخصيات
الساعة الان : رسالة sms :
عدد المساهمات : 52 تاريخ التسجيل : 01/02/2012
| موضوع: رد: قصة الصليب الإثنين 13 فبراير 2012, 2:39 am | |
| السلام علكم ورحمه الله وبركاته جزاك الله خير وزادك من العلم والمعرفه وجعلك الله من علماءهذا الدين الذين لايخشون فى الله لومه لاءم | |
|
ابودجانه صاحب الموقع
الساعة الان : رسالة sms :
عدد المساهمات : 1615 تاريخ التسجيل : 05/05/2011 العمر : 63 الموقع : nobalaa.forumegypt.net المزاج : مبسوط
| |