عز الإسلام في زمن الخلفاء الراشدين الأربعة إلى
اثني عشر خليفة وهم
«أبو بكر، وعمر، عثمان، عليّ، معاوية، يزيد، عبدالملك بن مروان، وأولاده الأربعة، وبينهم عمر بن عبد العزيز»
في الصحيحين عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن النبي r قال: «لا يزال الإسلام عزيزًا إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش» ولفظ البخاري «اثني عشر أميرًا» وفي لفظ «لا يزال أمر الناس ماضيًا ولهم اثنا عشر رجلاً» وفي لفظ «لا يزال الإسلام عزيزًا إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش»([1]).
وهكذا كان فإن الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ، ثم تولى من اجتمع الناس عليه وصار له عز ومنعة معاوية وابنه يزيد، ثم عبدالملك وأولاده الأربعة، وبينهم عمر بن عبدالعزيز.
وبعد ذلك حصل في دولة الإسلام من النقص ما هو باق إلى الآن.
فإن بني أمية تولوا على جميع أرض الإسلام، وكانت الدولة في زمنهم عربية، والخليفة يدعى باسمه عبدالملك وسليمان لا يعرفون عضد الدولة وعز الدين وبهاء الدين وفلان الدين. وكان أحدهم هو الذي يصلي بالصلوات الخمس([2])، وفي المسجد يعقد الرايات ويؤمر الأمراء، وإنما يسكن داره لا يسكنون الحصون، ولا يحتجبون عن الرعية، وكان من أسباب ذلك أنهم كانوا في صدر الإسلام في القرون المفضلة قرن الصحابة والتابعين وتابيعهم.
وأعظم ما نقمه الناس على بني أمية شيئان: أحدهما تكلمهم في عليّ، والثاني تأخير الصلاة عن وقتها.
وهؤلاء الاثنا عشر هم المذكورون في التوراة حيث قال في بشارته بإسماعيل (وسيلد اثنى عشر عظيمًا).
ثم كان من نعمة الله سبحانه ورحمته بالإسلام أن الدولة لما انتقلت إلى بني هاشم صارت في بني العباس وكانوا يعرفون قدر الخلفاء الراشدين والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار فلم يظهر في دولتهم إلا تعظيم الخلفاء الراشدين وذكرهم على المنابر والثناء عليهم وتعظيم الصحابة، وإلا فلو تولى والعياذ بالله رافضي يسب الخلفاء والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار لقلب الإسلام، ولكن دخل في غمار الدولة من كانوا لا يرضون باطنه ومن كان لا يمكنهم دفعه كما لم يمكن عليًّا قمع الأمراء الذين هم أكابر عسكره؛ كالأشعث بن قيس والأشتر النخعي وهاشم المرقال وأمثالهم.
ودخل من أبناء المجوس ومن في قلبه غل على الإسلام من أهل البدع والزنادقة وتتبعهم المهدي بقتلهم حتى اندفع بذلك شر كثير، وكان من خيار خلفاء بني العباس، وكذلك كان فيه من تعظيم العلم والجهاد والدين ما كانت به دولته من خيار دول بني العباس، وكأنها كانت تمام سعادتهم فلم ينتظم بعدها الأمر لهم، مع أن أحدًا من العباسيين لم يستول على الأندلس ولا على أكثر المغرب وإنما غلب بعضهم على إفريقيا مدة ثم أخذت منهم، بخلاف أولئك فإنهم استولوا على جميع المملكة الإسلامية وقهروا جميع أعداء الدين.
وأيضًا فإنه قال في الحديث: «كلهم من قريش» ولو كانوا مختصين بعليّ وأولاده لذكر ما يميزون به، ألا ترى أنه لم يقل كلهم من ولد إسماعيل ولا من العرب وإن كانوا كذلك؛ لأنه قصد القبيلة التي يمتازون بها- فلو امتازوا بكونهم من بني هاشم أو من قبيل عليّ لذكروا بذلك، فلما جعلهم من قريش مطلقًا على أنهم من قريش؛ بل لا يختصون بقبيلة، بل بنو تميم وبنو عدي وبنو عبد شمس وبنو هاشم، فإن الخلفاء الراشدين كانوا من هذه القبائل([3]).