والقسم الخامس : التوسل بدعاء من ترجى إجابة دعائه ، ودليل ذلك ما ثبت في مسلم أن النبي r ، كان يخطب الناس يوم الجمعة فدخل رجل فاستقبل النبي r ، وقال : يا رسول الله هلكت الأموال ، وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا، فرفع النبي r ، يديه ثم قال : (اللهم أغثنا، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا) - ثلاث مرات-. قال أنس بن مالك: (والله ما نرى في لسماء من سحاب ولا قزعة) - والقزعة هي القطعة الصغيرة من الغيم ، وما بيننا وما بين سلع من بيت ولا دار وسلع جبل بالمدينة تأتي من نحوه السحاب قال فخرجت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت فما نزل النبي r ، من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته .
القسم السادس: التوسل إلى الله بالعمل الصالح. وهو أن يذكر الإنسان بين يدي دعائه عملاً صالحا يكون سبباً في حصول المطلوب ، ومثاله قصة الثلاثة الذين حدث عنهم الرسول ، r ، ثلاثة من بني إسرائيل أواهم المبيب إلى غار؟ فدخلوا الغار فأراد الله U بحكمته أن تنطبق عليهم صخرة ابتلاء وامتحاناً وعبرة لعباده انطبقت عليهم الصخرة فأرادوا أن يدفعوها فعجزوا فقال بعضهم لبعض إنه لا يخرجكم من ذلك إلا أن تتوسلوا إلى الله تعالى بصالح أعمالكم، فتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً ، فأبي آتي طلب الشجر يوماً… عليهما فوجدتهما نائمين وكرهت أن أغبق أحداً قبلهما، فبقى الإناء على يدي حتى برق الفجر، ثم استيقظا فسقيتهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فاصرف عنا ما نحن فيه ، أو فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة قليلاً لكنهم لا يستطيعون الخروج.
أما الثاني: "فذكر أن له ابنة عم وكان يحبها حباً شديداً فأرادها على نفسها فأبت، ثم إنه في سنة من السنوات ألمت بها الحاجة فجاءت إليه تطلب دفع حاجتها فأعادها إلا أن تمكنه من نفسها- هي للضرورة مكنته من نفسها - فلما جلس منها مجلس الرجل من امرأته قالت له: يا هذا اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه- فهذه كلمة عظيمة مؤثرة - قال: فقمت عنها وهي أحب الناس إلي - يعني ما تركتها رغبة لأني لا أريدها لكنه تركها خوفا من الله U حين ذكر به- وأعطاها حاجتها" فجمع هذا الرجل بين كمال العفة والصلة، قال: "اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة إلا أنهم لا يستطيعون الخروج ".
أما الثالث: فذكر أن له أجراء- يعني أناس استأجرهم- وأعطى كل واحد منهم أجره، إلا واحداً لم يعطه أجره، فنماه له، وصار فيه إبل وغنم وبقر ورقيق حتى جاء العامل يطلب أجره فقال له كل ما ترى من الإبل والغنم والرقيق كله لك ، فقال له الأجير: اتق الله، لا تستهزئ بي ، فقال: لا أستهزئ بك هذه أجرتك ، فأخذها الأجير وذهب بها كلها فهذه المعاملة والوفاء التام من هذا الرجل ؛ لأنه من الممكن أنه إذا جاء يطلب أجره أن يعطيه أجره وينتهي ، لكن لأمانته ووفائه أعطاه كل ما نماه أجره، قال: اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون.
فلو قال قائل اللهم إني أسألك ببر والدي أن توفقني لبر أولادي بي ، فهذا توسل صحيح ؛ وهو توسل بالعمل الصالح.
أما القسم الذي لا يجوز أن تتوسل إلى الله تعالى به فهو ما ليس بوسيلة ني الواقع مثل أن تتوسل بالنبي، r ، بذاته ، أو أن تتوسل بجاه النبي، r ، لأن ذلك لا ينفعك أنت، فجاه الرسول، r ، ومنزلته عند الله ينتفع بها الرسول ،r ، نفسه . أما أنت فليس لك فيها منفعة وكذلك ذاته من باب أولى.
ويدل على أن التوسل بالنبي، r ، الآن ليس بصحيح أن الصحابة قحطوا في عهد عمر بن الخطاب t فخرج يستسقي بهم فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا - والصحابة يتوسلون بنبيهم بدعائه- وإنا نستشفع إليك بعم نبينا فاسقنا فيقوم العباس بن عبد المطلب ويدعو الله تعالى بالسقيا فيسقون. وهذا دليل على معنى التوسل بالنبي، r ، الوارد عن الصحابة أن معناه أنهم يتوسلون بدعائه لا بذاته.
أما توسل المشركين بأصنامهم وأوثانهم وتوسل الجاهلين بأوليائهم فهو توسل شركي ، لا نقول توسل بدعي بل هو توسل شركي ، ولا يصح أن نسميه توسلاً بل هو شرك محض.
لأن هؤلاء المتوسلين يدعون من يزعمون أنهم وسيلة، يأتي الرجل إلى من يزعمه ولياً ويقول يا ولي الله أنقذني- بهذا اللفظ- يا آل البيت آنقذوني، يا نبي الله أنقذني، فهذا لا يصح أن نسميه وسيلة ولكن نسميه شركا ؛ لأن دعاء غير الله شرك في الدين وسفه في العقل ؛ شرك في الدين لأنهم اتخذوا شريكا مع الله، وسفه في العقل لأن الله يقول: ]وَمَنْ أَضَلّ مِمّن يَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَن لاّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ[ سورة الأحقاف : 5 .
ويوم القيامة لا ينفعونهم ]وَإِذَا حُشِرَ النّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ[ سورة الأحقاف : 6 فوصف الله هذه المدعوات بأنها عاجزة لا يستجيبون أبداً لو دعوهم إلى يوم القيامة، وبأنها غافلة لا تدري من يدعوها ولا تحس بشيء من ذلك، وبأنه إذا كان يوم القيامة وهو وقت الحاجة الحقيقية إذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين ؛ كدعاء الأولياء والأصنام وما أشبهها.
فلا يصح أن نقول إنها وسيلة بل هو شرك أكبر مخرج عن الدين: ]وَمَن يَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلَـهَا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبّهِ إِنّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ[ سورة المؤمنون : 117 ، فسمى الله هذا الداعي كافراً .