التوسل في اللغة : مأخوذ من الوسيلة ، والوسيلة والوصيلة والتوسل والتوصل معناهما متقارب ؛ لأن السين والصاد دائماً يتناوبان ، يعني أحدهما يستعير مكان من الآخر ، ولهذا يقرأ قوله تعالى : ]اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ[ سورة الفاتحة : 6 ، ويقرأ : ]اهْدِنَا السّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ[ بالسين ، وكلاهما قراءة سبعية فيجوز أن تقرأ : ]اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ[ سورة الفاتحة : 6-7 .
وهو على نوعين :
فالتوسل معناهما متقارب جدّا .
والوسيلة هي السبب الموصل إلى المقصود .
النوع الأول : عبادة يراد بها التوصل إلى رضوان الله والجنة ، ولهذا نقول جميع العبادات وسيلة إلى النجاة من النار ودخول الجنة.
النوع الثاني : من الوسيلة : فهو ما يتخذ وسيلة لإجابة الدعاء وهو أقسام :
القسم الأول : التوسل إلى الله تعالى بأسمائه سواء كان بالأسماء على سبيل العموم أو باسم معين منها .
فمثال الأول التوسل بالأسماء على سبيل العموم ما ثبت في الحديث الصحيح عن ابن مسعود t في دعاء الهم والغم : ( اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، ماضي في حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسألك اللهم بكل أسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، علمته أحد من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ، ونور صدري ، وجلاء حزني ، وذهاب همي وغمي ) .
والشاهد من الحديث قوله : (بكل أسم هو لك) . ونقول نحن اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى ، ودليل هذا القسم قوله تعالى : ]وَللّهِ الأسْمَآءُ الْحُسْنَىَ فَادْعُوهُ بِهَا[ سورة الأعراف :180 .
أما الثاني وهو التوسل باسم خاص فمثل أن تقول : (يا غفور اغفر لي يا رحيم ارحمني ، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ) . وهذا توسل باسم لكنه خاص .
القسم الثاني : التوسل إلى الله تعالى بصفاته سواء كان ذلك على سبيل العموم أو بصفة خاصة ، ومن الصفات الأفعال ، فإن الأفعال صفات ، مثال ذلك أن تقول : (اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا) وهذا التوسل صحيح ، والتوسل بالصفات يكون كذلك عاما ، ويكون خاصا فمثال العام ما ذكرته آنفاً ، ومثال الخاص : (أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) فهنا توسل بصفة من صفات الله U .
ومن التوسل بالأفعال : (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ). فأنت تسأل الله الذي منَّ بصلاته على إبراهيم وعلى آل إبراهيم أن يمنَّ بصلاته على محمد وعلى آل محمد .
القسم الثالث: التوسل إلى الله تعالى بالإيمان به، أي أن يتوسل الإنسان إلى الله تعالى بالإيمان به وبرسوله فيقول: اللهم بإيماني بك وبرسولك أسألك كذا وكذا. فيصح هذا، ودليله قوله تعالى: ]إِنّ فِي خَلْقِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللّيْلِ وَالنّهَارِ[ سورة البقرة : 164 إلى أن قال: ]رّبّنَآ إِنّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبّكُمْ فَآمَنّا رَبّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفّرْ عَنّا سَيّئَاتِنَا[ سورة آل عمران : 193 أي فبسبب إيماننا برسولك فاغفر لنا، فجعلوا الإيمان به وسيلة للمغفرة.
فالتوسل بالإيمان بالله، والإيمان برسوله r ، والتوسل بمحبة الله، ومحبة رسوله r جائز، لأن الإيمان بالله سبب موصل للمغفرة، ومحبة الله ورسوله سبب موصل للمغفرة فصح أن يتوسل إلى الله تعالى به .
القسم الرابع: التوسل إلى الله تعالى بحال الداعي أي أن يتوسل الداعي إلى الله بحاله ولا يذكر شيئا مثل أن يقول: "اللهم إني أنا الفقير إليك، اللهم إني أنا الأسير بين يديك " وما أشبه ذلك، والدليل على ذلك قول موسى عليه الصلاة والسلام حين سقى للمرأتين ثم تولى إلى الظل فقال: ]رَبّ إِنّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ[ سورة القصص : 24 ، ولم يذكر شيئا. ووجه هذه الآية أن حال الداعي إذا وصفها الإنسان فإنها تقتضي الرحمة واللطف والإحسان لا سيما إذا كانت بين يدي أرحم الراحمين جل وعلا.