فوائد القناعة:
إن للقناعة فوائد كثيرة تعود على المرء بالسعادة والراحة والأمن والطمأنينة في الدنيا، ومن تلك الفوائد:
1- امتلاء القلب بالإيمان بالله- سبحانه تعالى- والثقة به، والرضى بما قدر وقَسَم، وقوة اليقين بما عنده- سبحانه وتعالى- ذلك أن من قنع برزقه فإنما هو مؤمن ومتيقن بأن الله- تعالى- قد ضمن أرزاق العباد وقسمها بينهم حتى ولو كان ذلك القانع لا يملك شيئًا.
يقول ابن مسعود - رضي اللّه عنه- "إن أرجى ما أكون للرزق إذا قالوا: ليس في البيت دقيق ".
وقال الإمام أحمد - رحمه اللّه تعالى-: "أسرُّ أيامي إليَّ يوم أصبح وليس عندي شيء ".
وقال الفضيل بن عياض - رحمه اللّه تعالى-: "أصل الزهد الرضى من الله- عز وجل -".
وقال أيضًا: "القُنُوع هو الزهد وهو الغنى".
وقال الحسن - رحمه الله تعالى-: "إن من ضعف يقينك أن تكون بما في يدك أوثق منك بما في يد اللّه- عز وجل-". (1)
2- الحياة الطيبة: قال تعالى: { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [النحل: 97]، فَسر الحياة الطيبة علي وابن عباس والحسن - رضي الله عنهم- فقالوا: "الحياة الطيبة هي القناعة" (1) وفي هذا المعنى قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى-: "من قنع طاب عيشه، ومن طمع طال طيشه ". (2)
3- تحقيق شكر المنعم- سبحانه وتعالى- ذلك أن من قنع برزقه شكر اللّه- تعالى- عليه، ومن تقالّه قصَّر في الشكر، وربما جزع وتسخط- والعياذ بالله- ولذا قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : « "كن ورعا تكن أعبد الناس، وكن قنعًا تكن أشكر الناس". » (3)
ومن تسخط من رزقه فإنما هو يسخط على من رزقه، ومن شكا قلّته للخلق فإنما هو يشكو خالقه- سبحانه وتعالى- للخلق. وقد شكا رجل إلى قوم ضيقًا في رزقه فقال له بعضهم: "شكوت من يرحمك إلى من لا يرحمك". (4)
4- الفلاح والبشرى لمن قنع: فعن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: "طوبى لمن هدي إلى الإسلام، وكان عيشه كفافًا، وقنع" (1) ، وعن عبد اللّه بن عمرو - رضي الله عنهما- أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: « قد أفلح من أسلم ورزق كفافًا، وقنعه اللّه بما آتاه". » (2)
5- الوقاية من الذنوب التي تفتك بالقلب وتذهب الحسنات:
كالحسد، والغيبة، والنميمة، والكذب، وغيرها من الخصال الذميمة والآثام العظيمة؛ ذلك أن الحامل على الوقوع في كثير من تلك الكبائر غالبًا ما يكون استجلاب دنيا أو دفع نقصها. فمن قنع برزقه لا يحتاج إلى ذلك الإثم، ولا يداخل قلبه حسد لإخوانه على ما أوتوا؛ لأنه رضي بما قسم له.
قال ابن مسعود - رضي الله عنه- "اليقين ألا ترضي الناس بسخط الله؛ ولا تحسد أحدًا على رزق الله، ولا تلم أحدًا على ما لم يؤتك الله؛ فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص، ولا يرده كراهة كاره؛ فإن الله تبارك وتعالى- بقسطه وعلمه وحكمته جعل الرَّوْح (3) والفرح في اليقين والرضى، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط". (4)
وقال بعض الحكماء: "وجدت أطول الناس غما الحسود، وأهنأهم عيشًا القنوع ". (5)
_________
(1) أخرجه أحمد (6 / 19)، والترمذي (2249) وقال: حسن صحيح والحاكم وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي (1 / 34).
(2) أخرجه مسلم (1054)، والترمذي (2349).
(3) أي: الراحة. انظر: القاموس (282) مادة (روح).
(4) أخرجه ابن أبي الدنيا في اليقين (118).
(5) القناعة لابن السني (58) عن موسوعة نضرة النعيم (3173).
_________
(1) أخرجه عن علي والحسن الطبري في تفسيره (14 / 17) عند تفسير الآية (97) من سورة النحل، وأخرجه الحاكم عن ابن عباس وصححه ووافقه الذهبي (2 / 356).
(2) نزهة الفضلاء ترتيب سير أعلام النبلاء (1504).
(3) أخرجه ابن ماجه (4217)، والبيهقي في الزهد الكبير (818)، وأبو نعيم في الحلية (10 / 365)، وحسنه البوصيري في الزوائد (3 / 300).
(4) عيون الأخبار لابن قتيبة (3 / 206).
_________
(1) انظر هذه الآثار في جامع العلوم والحكم (2 / 147) شرح حديث رقم (31).