الخوارج
أجمعت الخوارج على إكفار علي بن أبي طالب رضوان الله عليه إن حكم وهم مختلفون هل كفره شرك أم لا، وأجمعوا على أن كل كبيرة كفر إلا النجدات فإنها لا تقول ذلك، وأجمعوا على أن الله سبحانه يعذب أصحاب الكبائر عذاباً دائماً إلا النجدات أصحاب نجدة.
وأول من أحدث الخلاف بينهم نافع بن الأزرق الحنفي والذي أحدثه البراءة من القعدة والمحنة لمن قصد عسكره وإكفار من لم يهاجر إليه، ويقال أن أول من أحدث هذا القول عبد ربه الكبير ويقال أن المبتدع لهذا القول رجل كان يقال له عبد الله بن الوضين قالوا: وقد كان نافع خالفه في أول أمره وبرئ منه فلما مات عبد الله صار نافع إلى قوله وزعم أن الحق كان في يده ولم يكفر نفسه بخلافه إياه حين خالفه ولا أكفر الذين خالفوا عبد الله قبل موته وأكفر من يخالفه فيما بعده، والأزارقة لا تتبرأ ممن تقدمتها من سلفها من الخوارج في توليهم القعدة الذين لا يخرجون ولا تتبرأ أيضاً من سلفها من الخوارج في تركهم إكفار القعدة والمحنة لمن هاجر إليهم ويقولون: هذا تبين لنا وخفي عليهم، والأزارقة تقول أن كل كبيرة كفر وأن الدار دار كفر يعنون دار مخالفيهم وأن كل مرتكب معصية كبيرة ففي النار خالداً مخلداً، ويكفرون علياً رضوان الله عليه في التحكيم ويكفرون الحكمين أبا موسى وعمرو بن العاص ويرون قتل الأطفال.
كانت الأزارقة عقدت الأمر لقطري بن الفجاءة وكان قطري إذا خرج في السرايا استخلف رجلاً من بني تميم على العسكر وكانت فيه فظاظة فشكت الأزارقة ذلك إليه فقال: لست أستخلفه بعد، ثم إنه خرج في سرية وأصبح الناس في العسكر فصلى بهم ذلك الرجل الفجر فقالوا لقطري: ألم تزعم أنك لا تستخلفه؟ وعاتبوه وكان في الذين عاتبوه عمرو القنا وعبيدة بن هلال وعبد ربه الصغير وعبد ربه الكبير فقال لهم: جئتموني كفاراً حلال دماؤكم فقام صالح بن مخراق فلم يدع في القرآن موضع سجدة إلا قرأها وسجد ثم قال: أكفاراً ترانا؟ تب مما قلت فقال: يا هؤلاء إنما استفهمتكم فقالوا: لا بد من توبتك فخلعوه وصار قطري إلى طبرستان فغلب عليها.
وكان سبب الاختلاف الذي أحدثه نافع أن امرأة من أهل اليمن عربية ترى رأي الخوارج تزوجت رجلاً من الموالي على رأيها فقال لها أهل بيتها: فضحتينا فأنكرت ذلك فلما أتى زوجها قالت له أن أهل بيتي وبني عمي قد بلغهم أمري وقد عيروني وأنا خائفة أن أكره على تزويج بعضهم فاختر مني إحدى ثلاث خصال: إما أن تهاجر إلى عسكر نافع حتى نكون مع المسلمين في حوزهم ودارهم وإما أن تخبأني حيث شئت وإما أن تخلي سبيلي فخلى سبيلها ثم إن أهل بيتها استكرهوها فزوجوها ابن عم لها لم يكن على رأيها فكتب ممن بحضرتها بأمرها إلى نافع بن الأزرق يسألونه عن ذلك فقال رجل منهم أنها لم يسعها ما صنعت ولا وسع زوجها ما صنع من قبل هجرتها لأنه كان ينبغي لهما أن يلحقا بنا لأنا اليوم بمنزلة المهاجرين بالمدينة ولا يسع أحداً من المسلمين التخلف عنا كما لم يسع التخلف عنهم، فتابعه على قوله ذلك نافع بن الأزرق وأهل عسكره إلا نفراً يسيراً وبرئوا من أهل التقية، وأحدثوا أشياء: من ذلك أنهم حرموا الرجم ومن ذلك أنهم قالوا: نشهد بالله أنه لا يكون في دار الهجرة ممن يظهر الإسلام إلا من رضي الله عنه، واستحلوا خفر الأمانة التي أمر الله سبحانه بأدائها وقالوا: قوم مشركون لا ينبغي أن تؤدى الأمانة إليهم، ولم يقيموا الحدود على من قذف المحصنين من الرجال وأقاموها على من قذف المحصنات من النساء وقالوا: ما كف أحد يده عن القتال مذ أنزل الله عز وجل البسط إلا وهو كافر.
والأزارقة يرون أن أطفال المشركين في النار وأن حكمهم حكم آبائهم وكذلك أطفال المؤمنين حكمهم حكم آبائهم، وزعمت الأزارقة أن من قام في دار الكفر فكافر لا يسعه إلا الخروج.
وهذا قول النجدية ثم خرج نجدة بن عامر الحنفي من اليمامة في نفر من الناس وأقبل إلى الأزارقة يريدهم فاستقبلهم نفر من أهل عسكر نافع وأخبروه ومن معه بأحداث نافع التي أحدثها وأنهم برئوا منه وفارقوه عليها وأمروا نجدة بالمقام وبايعوه، فمكث نجدة زماناً ثم إنه بعث بعثاً إلى أهل القطيف واستعمل عليهم ابنه فقتل وسبى وغنم، فأخذ ابن نجدة وأصحابه عدة من نسائهم فقوموا كل واحدة منهن بقيمة على أنفسهم وقالوا: إن صارت قيمهن في حصتنا فذاك وإن لم تصر أدينا الفضل فنكحوهن قبل أن يقسمن وأكلوا من الغنائم قبل أن تقسم ثم رجعوا إلى نجدة وأخبروه بذلك فقال نجدة: لم يسعكم ما صنعتم فقالوا: لم نعلم أنه لا يسعنا فعذرهم نجدة بجهالتهم فتابعه على ذلك أصحابه وعذروا بالجهالات إذا أخطأ الرجل في حكم من الأحكام من جهة الجهل وقالوا: الدين أمران أحدهما معرفة الله ومعرفة رسله عليهم السلام وتحريم دماء المسلمين وأموالهم وتحريم الغصب والإقرار بما جاء من عند الله جملة فهذا واجب وما سوى ذلك فالناس معذورون بجهالته حتى تقوم عليهم الحجة في جميع الحلال فمن استحل شيئاً من طريق الاجتهاد مما لعله محرم فمعذور على حسب ما يقول الفقهاء من أهل الاجتهاد فيه، قالوا: ومن خاف العذاب على المجتهد في الأحكام المخطئ قبل أن تقوم عليه الحجة فهو كافر، قالوا: ومن ثقل عن هجرتهم فهو منافق، وحكي عنهم أنهم استحلوا دماء أهل المقام وأموالهم في دار التقية وبرئوا ممن حرمها، وتولوا أصحاب الحدود والجنايات من موافقيهم وقالوا: لا ندري لعل الله يعذب المؤمنين بذنوبهم فإن فعل فإنما يعذبهم في غير النار بقدر ذنوبهم ولا يخلدهم في العذاب ثم يدخلهم الجنة، وزعموا أن من نظر نظرة صغيرة أو كذب كذبة صغيرة ثم أصر عليها فهو مشرك وأن من زنى وسرق وشرب الخمر غير مصر فهو مسلم.