فضيلة صلة الأرحام
باسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد: فمن الأوامر التي جاءت بها الشرائع كلها الأمر بصلة الأرحام، فهذا أمر متفق عليه بين الشرائع كلها، فلم تنسخ آية من الآيات التي وردت آمرة بصلة الأرحام، بل كلها آيات محكمات.
ولصلة الأرحام أثرها في التعامل مع الأقربين، فليس من وصل كمن قطع، وقد قال عدد من العلماء في شرحهم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا إن آل بني فلان ليسوا بأوليائي، إنما أوليائي المتقون، لكن لهم رحم سأبلها ببلالها)، قالوا في شرح هذه المقولة الأخيرة: (سأبلها ببلالها): إن الرحم شُبهت بالجلد اليابس، فإذا بللت الجلد بالماء لانت في يديك، وسهل عليك ثنيها، وكذا الرحم؛ إذا وصلتهم سهل عليك أمرهم بإذن الله، فإذا كنت تسأل عنهم وتهدي إليهم وتتفقد أحوالهم، فإنهم حينئذٍ يحبونك ويقبلون منك قولك ويلينون في يديك، أما إذا كنت قاطعاً، ولست بواصل؛ فإن كلامك يذهب سدى ولا يلقى قبولاً عند أقاربك ولا عند أرحامك.
جاءت جملة من النصوص من كتاب ربنا سبحانه وتعالى ومن سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تحث بل وتأمر بصلة الأرحام، قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء:26] فذوو القربى -الذين لهم حق- هم الأرحام عموماً، وكذلك قال الله تبارك وتعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى} [النساء:36]، وهم الأرحام عموماً كما بينا، وقال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى} [البقرة:83]، فلذوي القربى حق، وقال رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن ينسأ له في أثره، ويبسط له في رزقه فليصل رحمه) كذا قال رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وكان صلوات الله وسلامه عليه في بداية أمره وبداية بعثته مع دعوته إلى التوحيد كان أيضاً يأمر بصلة الأرحام، فلما سأل هرقل أبا سفيان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً له: بما يأمركم -يعني النبي صلى الله عليه وسلم-؟ قال: (يأمرنا بالصلاة والصدقة والعفاف والصلة) يعني بذلك صلة الأرحام.