كَراهية الحمَّام للنساء
عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخلنَّ الحمّام إلا بمئزر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخلن حليلته الحمّام، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعدنَّ على مائدة يُشرب عليها الخمر، أو يُدار عليها الخمر».
وعن عبد الله بن سويد الخطمي، عن أبي أيوب الأنصاري ـــ رضي الله عنه ـــ أن رسول الله صلى الله عليه وسلّمقال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر من نسائكم فلا يدخلن الحمّام».
فنقل ذلك إلى عمر بن عبد العزيز في خلافته، فأرسل إلى أبي بكر بن عمرو بن حزم أن سل محمد بن ثابت عن حديثه فإنه رضي، فسأله، ثم كتب إلى عمر، فمنع النساء من الحمّام.
وعن الأعمش قال: حدثنا عمرو بن مرّة عن سالم أنَّ نسوة من أهل حمص دخلن على عائشة رضي الله عنها فقالت: لعلكن ممن يدخلن الحمّامات؟ قلن: نعم، قالت: أما أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّميقول: «ما من امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت ما بينها وبين الله عز وجل».
قال الحربي: وحدثنا محمد بن عبد الملك بإسناده عن القاسم عن أبي أمامة أن عمر رضي الله عنه قال: لا يحل الحمام لمؤمنةٍ إلا من سقم، فإن عائشة حدثتني قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّميقول: «أيّما امرأة مؤمنة وضعت خمارها في غير بيت زوجها، هتكت الحجاب فيما بينها وبين الله عز وجل».
وعن مهرة امرأة وهب الكناني قالت: دخلنا على عائشة رضي الله عنها فقالت: لعلكن من النساء اللاتي يدخلن الحمّامات؟ قلن: نعم، قالت: فدعت جارية لها، فأخرجتنا إخراجاً عنيفاً.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّمقال: «سَتُفتحُ أرض العجم، وستجدون بها حمَّامات، فامنعوا نساءكم إلا مريضة أو نفساء».
وعن مكحول، عن سلمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّمقال: «أيما امرأة دخلت الحمّام من غير علة ولا سقم تلتمس بياض وجهها، سوَّد الله وجهها يوم تبيضُّ الوجوه».
وعن سهل عن أبيه أنه سمع أم الدرداء تقول: خرجت من الحمّام، فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلّمفقال: «من أين يا أم الدرداء؟» فقلت: من الحمّام، فقال: «والذي نفسي بيده، ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت أحد أمهاتها إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن عز وجل».
فصل (في دخول النساء للحمّام)
قال المصنف رحمه الله: وقد أطلق جماعة من أصحابنا المنع للنساء من دخول الحمّام إلا من علّة، أو من مرض لا يصلحه إلا الحمام، أو لحاجة إلى الاغتسال لحيض أو نفاس، أو لشدّة برد، وتعذر إسخان الماء في غيره، وما أشبه ذلك.
وهذا يصعب على نساء هذا الزمان لما قد ألفن وربين عليه، ولا يصعب على العرب، ومَن لم يعرف الحمّام.
والصواب أن نقول: إنما جاء هذا التشديد لمعنيين:
أحدهما: أنه دخول إلى بيت أجنبي، وفي ذلك مخاطرة.
والثاني: أنه يتضمن كشف العورات، ولا يؤمن الإطلاع عليها، ومتى أمنت المخاطرة، ورؤية العورات، وكانت ثَم حاجة جاز من غير كراهية وإن لم يكن ثَمَّ حاجة كره لهن، لما ذكرنا.
وإذا احتاجت المرأة إلى دخوله، وأمنت المخوف، فينبغي أن تدخل، ولا يحل لها أن ترى عورة امرأة، وأن لا ترى امرأة عوراتها. وعورة المرأة في حق المرأة، كعورة الرجل في حق الرجل، من السرّة إلى الركبة.
وعموم النساء الجاهلات لا يتحاشين من كشف العورة أو بعضها، والأم حاضرة أو الأخت أو البنت، ويقلن هؤلاء ذوات قرابة.
فلتعلم المرأة أنها إذا بلغت سبع سنين لم يجز لأمها ولا لأختها ولا لابنتها أن تنظر إلى عورتها، وقد ذكر حد عورة المرأة مع المرأة.
ولهذا المعنى نقول: يجوز للرجل أن يغسل الصبية إذا كان لها دون سبع سنين، لأن ذلك الزمان لا يثبت فيه حكم العورة، فيجوز أن ترى، هذا قول أصحابنا، وقال ابن عقيل:
عندي أنه ما لم تتحرك الشهوة بالنظر إليه في العادة، لا يعطى حكم العورات.
ولا تُباح خلوة النساء بالخصيان، ولا بالمجبوبين، لأن العضو وإن تعطل أو عدم، فشهوة الرجال لا تزول من قلوبهم، فلا يؤمن التمتُّع بالقبلة وغيرها، وكذلك لا تباح خلوة الفحل بالرتقاء من النساء لهذه العلة.
قال ابن عقيل: ووجدت لبعض المفرعين من العلماء تفريعاً مليحاً، قال: وإذا كان الحيوان البهيم مما يشتهي النساء، أو تشتهيه النساء، فقد قيل: إن القرد إذا خلا بالمرأة أو رآها نائمة يطلب جماعها، وفي بعض النساء الشبقات مَن ربما دعته إلى نفسها.
فعلى هذا ينبغي أن تصان الدور التي فيها النساء عن إدخال مثل هذا الحيوان.
فصل (في نظر المرأة الكافرة إلى المسلمة)
فإن كانت الناظرة إلى المرأة ذمِّية، فقد اختلفت الرواية عن أحمد فيما يجوز أن تراه الكافرة من المسلمة؟ فروي عنه: أنها كالرجل الأجنبي، وروي أنها معها كالمسلمة.
عن قيس بن الحارث قال: كتب عمر بن الخطاب ـــ رضي الله تعالى عنه ـــ إلى أبي عبيدة: أما بعد، فإنه قد بلغني أن نساء من نساء المؤمنين يدخلن الحمّامات مع نساء اليهود والنصارى، فلينتهين أشدّ النهي، فإنه لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن ينظر إلى عورتها إلا أهل ملَّتها.
قال المصنف رحمه الله: أشار عمر ـــ رضي الله عنه ـــ بالعورة إلى ما ذكرنا، وأما الفرج فلا يجوز أن يراه لا أهل ملّتها، ولا غيرهم، سوى الزوج.
فصل (في النظر إلى المحارم)
فأما ذوات المحارم فمباح أن ينظر ذوو قرابتهن المحرم منهن: إلى ما يظهر في العادة، كالوجه والكفين والقدمين وبعض الساق.
قال أحمد بن حنبل رحمه الله: أنا أكره أن ينظر من أمّه وأخته إلى ساقها وصدرها، وأما الحرّة إذا ملكت عبداً فإنه ليس بمحرم لها، ولا يجوز أن يرى منها ما يراه المحارم، ولا يخلو بها، ولا يسافر معها.
ويكره للرجال الأجانب سماع أصوات النساء إلا بمقدار ما تدعو إليه الحاجة، لأنه قد يحصل بذلك الافتتان، فينبغي للمرأة أن تتوقَّى ذلك.