المربية القدوة
لقد أكد المربون على أهمية مرحلة الطفولة بقولهم: إن الطفولة صانعة المستقبل. وقد سبقهم الإسلام إلى تقرير هذا المبدأ التربوي، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مولود على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.
لهذا كان واجبنا جميعاً أن نوفر لأطفالنا كل ما يؤهلهم لحياتهم المقبلة، فنعمل جاهدات على إحياء قلوبهم بمحبة الله، وإيقاظ عقولهم ومداركهم، وتمرين حواسهم، كما نرعى نمو أجسادهم..
وباختصار..
نربيهم على طريقة الإسلام التي تعالج الكائن البشري كله معالجة شاملة لا تترك منه شيئاً، ولا تغفل عن شيء، جسمه وعقله وروحه. فلا تستهيني ـ أختي المربية ـ بمهمتك، فأنت تربين رجال المستقبل الذين سيرفعون من شأن الأمة ويبنون لها مجدها بإذن الله، وأنت في عملك هذا في عبادة تؤجرين عليها إن شاء الله ـ إن أحسنت القصد ـ وما تربية الأجيال إلا إعدادهم لحمل رسالة الأمة ونشر عقيدتها.
إنك تعدين النساء الفاضلات اللاتي يتمثلن مبادئ الإسلام، ويعملن بها بعزة وفخار، ويضحين برغباتهن في سبيل الله، ولما كان للمربية الأثر الكبير في الناشئة، حيث إنها المثل الأعلى الذي يجتذب الأطفال، فيقلدونها وتنطبع أقوالها وأفعالها في أذهانهم؛ لذا فلابد للمربية المسلمة أن تراقب الله تعالى في حركاتها وسكناتها، وتتعاهد نفسها بالتقوى، وتحاول أن تصعد إلى القمة السامقة في تمسكها بكل ما يدعو إليه دينها، وتأخذ بيد غيرها إلى الخير الذي تسعى إليه.. فذلك من صميم ما يدعو إليه ديننا.
إنها قدوة لأطفالنا، فلا يناقض قولها عملها، إن دعتهم لمبدأ فهي أحرص الناس على القيام به؛ لأنها المسلمة التي تقرأ قوله تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:3].
وإذا دعت إلى الالتزام بالآداب الإسلامية فلا تهملها أو تغفلها:
• فهي تلتزم بتحية الإسلام، وترد على أطفالها تحيتهم بأحسن منها.
• تلزم نفسها بآداب الطعام والشراب، وتعلمها أطفالها وتذكرهم بها.
• تدعوهم إلى شكر صاحب المعروف، وهي أحرص الناس على تطبيق المبدأ حتى في معاملتها لأطفالها.
• تعاملهم بأدب واحترام؛ ليستطيعوا احترام غيرهم في المستقبل، إقتداء بسلوك مربيتهم.
• تبتعد عن الظلم، وتسعى جاهدة لإشاعة العدل بين أطفالها، قال صلى الله عليه وسلم: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم. وقد كان سلفنا الصالح يستحبون التسوية بين الأطفال حتى في القبل.
• تعاملهم بالرحمة والرفق؛ ليكونوا في المستقبل متكافلين متعاطفين كالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وعلى قدر ما تعطي الأطفال من التشجيع والثقة بالنفس والعاطفة الصادقة تستطيع النهوض بهم.
• لا تتلفظ بكلمة نابية تحاسب عليها، ولا تتكلم بكلمة جارحة قد تبقى عالقة في عقل الطفل وقلبه، وقد لا تزيلها الأيام والأعوام..
• تضبط نفسها ما أمكن، فكما يسوؤها أن تسمع الأطفال يتلفظون الكلمات التي لا تليق، كذلك يجب أن تمسك لسانها وتحبسه عن قول ما لا ينبغي وما لا تحب أن يقلدها فيه صغارها.
إنها تلتزم بما تدعو إليه؛ لأنها تسمع قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الذي يقول ولا يفعل: .. ويـجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه فيدور بها كما يدور الحمار برحاه. فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون: فلان ما شأنك؟ ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهـي عن المنكر؟ فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن الشر وآتيه (رواه البخاري ومسلم).
إننا إذ نريد أجيالاً تخلص نفسها لله، وتعمل جاهدة لرضاه؛ فيجب أن نكون لها القدوة الصادقة في ذلك بعملنا المخلص الدؤوب، وبعد ذلك فإن شفافية الأطفال سرعان ما تلتقط الصورة وتنفذها بالقدوة الطيبة التي تعرف قيمة الوقت ولا تضيعه، والذي طالما لمسوه من مربيتهم.
ثم تركز المربية في توجيهها على ما يحبه الله ويرضاه، إن ذلك هو الهدف الحقيقي من التربية، فلا يصح أن تركز على المصلحة أثناء حثهم على العمل؛ ذلك لأن التعلق بالمصالح الذاتية يخرج أجيالاً أنانية بعيدة عن تحمل المسؤولية وحمل الرسالة بأمانة.
ولا مانع أثناء توجيهها من الإشارة إلى فوائد هذا العمل الذي تدعو له، لكن التركيز الفعلي يركز على مرضاة الله تعالى. فالمربية الناجحة لا تهمل التشجيع، لكن التشجيع الذي لا يفسد عليها هدفها، بحيث لا يكون التشجيع المادي هو الأساس، وإنما تـثني عليهم وتغرس الثقة في نفوسهم وتحفزهم إلى كل عمل طيب.
إنها المربية القدوة في حسن مظهرها: تعتني به؛ لتظهر دائما بمظهر جذاب يسر الطفل، على أن لا يكون في ذلك سرف ومبالغة. وهذا الأمر الذي تدعو له التربية المعاصرة قد سبق إليه الإسلام؛ فقد دعا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى حسن المظهر بقوله: كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة. والتوسط في الملبس، كما بين ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ هو: ما لا يزدريك به السفهاء ولا يعتبك عليه الحلماء.
إن المربية القدوة في حسن إعدادها للأجيال تعمل على تربية الطفل على طرائق التفكير المنظم، يلاحظ الظاهرة فيدرسها بالطريقة العلمية السليمة ليصل إلى النـتائج، وهي طريقة الإسلام الذي يمتدح العقل والنظر والفكر... تعوده على التفكير المنطقي السليم بكونها قدوة خيرة في ذلك، تبتعد عن أحاديث الخرافة، تثير تفكيره وتربط الأسباب بمسبباتها.
وأخيراً:
لابد من صدق النية وسلامة الطريقة، نخلص لله في نياتنا ونلتمس الصواب في أعمالنا. فالغاية التي نسعى إليها تستحق أن يبذل في سعيها كل جهد... إنه عمل يبقى لما بعد الموت.
فلنتق الله في الأمانة التي بين أيدينا.. وما علينا إلا أن نسأل أنفسنا قبل أي تصرف: ما أثر ذلك على سلوك الطفل في المستقبل؟ فإن كان أثره إيجابياً يتناسب مع مبادئ الإسلام وغايته فلنقدم، وإلا فلنراقب الله تعالى ولنمتنع عنه.
ولتكن كل واحدة منا مربية قدوة في التزامها الشرعي لواجباتها الدينية:
• قدوة في كلامها العفيف.
• قدوة في عدلها ورحمتها.
• قدوة في إتقان علمها وتقدير قيمة وقتها.
• قدوة في التفكير المنطقي السليم والبعد عن الخرافة.
• قدوة في البعد عن الازدواجية والتناقض بين القول والعمل.
ولعل حاجة المسلمين تكمن في تربية جادة عقدية للأجيال الناشئة، شباب المستقبل، الذي يخطط له الطريق ليسير على نهج السلف، سلف هذه الأمة الذين رفعوا لواء الإيمان والأخلاق بالدعوة إلى الله والجهاد في سبيله؛ فكانت لهم العزة في الدنيا والفلاح في الآخرة.. وأرجو ألا يكون ذلك عنا ببعيد!