في التحذير من السِّحْر والكهانة والنُّجوم وإتيان أهلِ هذهِ الصناعات
قد ذكرنا في باب المحصنات أن السحر معدود من الكبائر.
وقد روى مسلم في إفراده من حديث صفية بنت أبي عبيد عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أتى عرَّافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة».
وروى أبو داود في سُننه من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أتى كاهناً فصدَّقه بما يقول، فقد برىء مما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلّم.
وأخبرنا موهوب بن أحمد قال: أنبأنا علي بن البسري، بإسناده إلى عبد الله قال: «من أتى ساحراً، أو كاهناً، فصدّقه بما يقول: فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلّم.
في حكم الساحر والكاهن والعرّاف
واعلم أن الساحر عند أصحابنا كافر، وكذلك الساحرة، وقال ابن عقيل: إنما هو كافر للنعمة، وليس في السحر إلا صناعة تعود بفساد أحوال، وقتل نفوس، وهذا القدر بالمباشرة لا يحصل به الكفر.
وحد الساحر ضربه بالسيف، قال أحمد: يقتل من غير استتابة. وعلل أصحابنا بأنه في الغالب يكتم سحره، فإن أقرّ بقتل معين قتل حداً، أو إصلاحاً للإسلام، وكانت الدية في ماله للمقتول، ليجمع بين المصلحة الكلية، وحق أولياء المقتول، وإذا كان الساحر ذميّا، وكان سحره يضر المسلمين قتل لنقض العهد.
وأما الكاهن والعرّاف، فقال القاضي أبو يعلى: حكمهما حكم الساحر. وخالفه ابن عقيل، فقال: غاية ما يدعي الكاهن أنه تكلمه الجن وهذا كذب، وليس لنا كذب يوجب الكفر والقتل إلا الكذب في أمر الشرائع، إلا أن يقول: إني أعلم الغيب.
فأما القائل بزجر الطير، والنجوم، والحصى، أو الشعير والقداح التي يتخذها المعزمون، يدعون أنها عندهم عزائم، يستحضرون بها الجان، فكلهم أهل ضلال، ويجب تعزيرهم، فإن اعتقدوا أن هذا طريق لعلم ما يكون قبل كونه، وجب تكفيرهم.
قال: وأما لعب النساء بالحصى، والشعير، وما شاكل ذلك من الأمور التي تجعلها كالفأل لاستعلام حال الغائبين من الأهل، وحال الأزواج، وفيه ضرب من السحر، فإنهنّ يذكرن فيه القلب، والفؤاد، وللأكراد الكفّ، ولبعض العراقيين القداح، والتعزيم عليها، فكل ذلك مكروه جداً، والإدمان لها يوجب الفسق، ومن عرف بها لم تقبل شهادته، وكذلك الأرجوحة، والتعلّق عليها، والترجيح فيها، مكروه، ولا تقبل شهادة المدمن له.
قال المصنف رحمه الله ـــ: قلت: وفي معنى الكاهن المنجِّم، فإنه يدعي علم الغيب، وقد صار أكثر أهل زماننا لا يسافرون، ولا يلبسون ثوباً، ولا يعملون عملاً إلا بقول المنجم.
واعلم أن علم النجوم على ضربين:
* أحدهما: مباح، وتعلّمه فضيلة، وهو العلم بأسماء الكواكب ومطالعها، ومساقطها، وسيرها في منازلها، والاهتداء بها إلى القبلة وغيرها من الطرق.
* والثاني: محظور، وهو ما يدعيه المنجمون من الأحكام.
وقد روى علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلّم «يا علي لا تجالس أصحاب النجوم».
وقال مسافر بن عوف، لعلي بن أبي طالب وهو في سفر: لا تسر في هذه الساعة لأنك إن سرت فيها، أصابك وأصحابك بلاء، وإن سرت في الساعة التي آمرك بها ظفرت. فقال علي ـــ عليه السلام ـــ: ما يحمد منجم، هل تعلم ما في بطن فرسي هذه؟ قال: إن شئت علمت. قال: من صدقك بهذا القول، كذب بالقرآن، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى الاْرْحَامِ} (لقمان: 34)، والله لئن بلغني أنك تنظر في النجوم، لأخلدنك السجن.