الهمز واللمز
احذر أخي المسلم من الهمز واللمز ، فالهمز واللمز مرضان سيئان من أمراض القلوب ، وهما سبب لانتشار الحقد والضغائن ، وهما سبب من أسباب تفكك المجتمع ؛ فاجعل في خلدك أنَّ المسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ، وقال تعالى : ] وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الأِيمَانِ [ [ الحجرات : 11 ] لذا فلا يجوز لمسلم أنْ يستهزأ بأخيه المسلم بلسانه أو بيده ، فإذا صنع فكأنما صنع ذلك بنفسه ؛ لأنَّ المؤمنين جميعاً نفس واحدة ، فلا يجوز لمسلم أنْ يسمي أخاه أو يصفه أو يلقبه أو يكنيه باسم يكرهه ، بل يسميه بأحب الأسماء إليه .
إن المرء ليزداد حزنه حينما يرى بعض المسلمين غرّهم الشيطانُ ، فأطلقوا ألسنتهم بالهمز والسخرية والنبز لعباد الله .
ألا يعلم الهمّاز الذي يحارب المؤمنين بلسانه ما حصل للمنافقين في زمن نبينا r حين خرج بعضهم في غزوة تبوك فقال رجل منهم : ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء – فأنزل الله تعالى فيهم قرآناً يتلى إلى يوم القيامة : ] وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ [ [ التوبة : 65 ] فهل ترضى لنفسك يا من تقع في أعراض المؤمنين أنْ تصل إلى تلك الحال التي وصل إليها المنافقون .
وَلْنسألْ الهماز اللماز الذي يقع في أعراض الناس ما الذي جَرّأكَ على هذا العمل المشين أو الفعلة القبيحة – أَكَونُ أولئك الذين تقع في أعراضهم ضعفاء ؟ فإذا كانوا كذلك أفلا تخشى من ذي القوة والجبروت أن يأخذك بذنبك في ساعة من ليل أو نهار ؟!! ألا تخشى دعوة المظلوم التي ليس بينها وبين الله حجاب ؟
أخي يا من تقع في أعراض المسلمين ألم يهذبك كتاب الله حينما تقرؤه ؟ ألم تتأثر بالقرآن ؟ ، إني أعيذك بالله تعالى أنْ تكون ممن قال فيهم نبينا محمد r : (( إنَّ أقواماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم )) . رواه مسلم ([1]) ومعنى الحديث : لا يجاوز القرآن تراقيهم ليصل إلى قلوبهم : فليس حظهم منه إلا مروره على ألسنتهم .
اتق اللهَ أخي المسلم حينما تقع في أعراض المؤمنين وتذكّر دائماً قوله
تعالى : ] وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً [ [ الأحزاب : 58 ] .
وعليك أخي المسلم أنْ تدرك عاقبة إطلاق العنان للسان بالهمز واللمز ورسول الله r يقول : (( إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها ، يزلّ بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب )) ([2]) وفي حديث آخر : (( إنَّ الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالاً ، يهوي في جهنم )) ([3]) وفي حديث آخر : (( إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ، ما كان يظن أنْ تبلغ ما بلغت ، يكتب الله بها سخطه إلى يوم
القيامة )) ([4]).
والذي ينظر في تربية النَّبيِّ r لصحابته يدرك مدى تحذير هذا النبي الكريم لأمته من خطر الوقوع في أعراض المسلمين ، فانظر كيف أنَّ النَّبيَّ r لما أخبر معاذاً t بالأعمال التي يدخل بها الجنة ، ويباعد من النار قال له النَّبيُّ r : (( ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ فقال معاذ : بلى يا رسول الله ، فأخذ رسول الله بلسانه فقال : كُفَّ عليك هذا . فقال معاذ : يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم فقال : ثَكلتْكَ أمُّكَ وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم إلا حَصائدُ ألسنتهم )) ([5]).
فاتق الله أخي المسلم ولا تقل إلا خيراً أو اسكت عن الشر ، واحذر أنْ تقع في أعراض المؤمنين الغالية فتوقع في قلب المؤمن خفقة وربما في عينه دمعة ، بل ربما توقع فيه من الأذى وتجعل عنده زفرات يرتجف بها بين يدي ربه في جوف الليل في سجوده وعبادته وخلواته لهجاً يطلب من الله كشفها ، وربما تكون أنت نائم ، ومن وقعت في عرضه يدعو عليك ماداً يديه إلى مغيث المظلومين وكاسر الظالمين .
أذكّرك بقصة أروى بنت أويس التي زعمتْ أن الصحابي الجليل سعيد بن زيد t قد غصب شيئاً من أرضها وضمّه إلى أرضه ، ، فقال سعيد : أنا كنتُ آخذ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعتُهُ من رسول الله r ! قال مروان : وما سمعت من رسول الله r ؟ قال : سمعتُ رسول الله r يقول : (( من ظلم من الأرض شيئاً طوّقه من سبع أرضين )) ([6]).
وإذا كنتَ أخي المسلم لا تَأبهُ بدعاء المظلوم عليك ، ففكّر دائماً أنَّ لسانك شهيد عليك يوم القيامة ، فماذا سيكون قولك ، وماذا ستفعل حين ذاك وأنت بين يدي الله قال تعالى : ] يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ [ [ النور : 24-25 ] .
وإياك إياك أخي المسلم أنْ تغترّ بأصدقاء السوء معك في الطعن بأعراض المسلمين فهذه الصداقة ستكون عداوة يوم القيامة وحسرة وندامة قال تعالى : ] وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً [ [ الفرقان : 27 - 28 ] .
فاتق الله أيها المسلم أَلاَّ تأمن مكر الله وأنت تقع في ظلم المسلمين ، أَلاَّ تأمن مكر الله وأنت تؤذي المسلمين في أعراضهم تمعّن في قول الله تعالى: ] أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [ [ الأعراف : 97-99 ] .
وأنت حينما تقرأ القرآن قف عند قوله تعالى : ] أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ [ [ النحل : 45-46 ] .
وعند قوله تعالى : ] وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [ [ النمل :50-52 ] .
إذنْ فالإسلام حرّم السخرية بالهمز واللمز ؛ لأنَّ ذلك يقود إلى التباغض والتشاحن والمنازعات ، وكل ذلك يهدد الروابط الاجتماعية بالتفكك والانهيار ، وهذه الاحترازات كلها من أجل أنْ يظل المجتمع مترابطاً متماسكاً قوياً ، فسخرية المسلم من أخيه المسلم محرمةٌ شرعاً ، وكذلك يحرم عليه أنْ يعيبه بقول أو فعل ، وهذه الحرمة مستمرة سواء كان أخوك المسلم غائباً أو حاضراً ، وكذلك يحرم عليه أن ينبزه بلقب يكرهه ؛ لأنَّ كل ذلك من أسباب البغض .
والذي يسخر من أخيه المسلم يحمل في قلبه شيئاً من كبر ، وقد روى ابن مسعود t عن النَّبيِّ r أنه قال : (( لا يدخل الجنَّة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر )) قال رجلٌ إنَّ الرجل يحب أنْ يكون ثوبه حسناً ونعله حسنةً ، قال : (( إنَّ الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق وغمط الناس )) ([7]) وسبب ذلك أنَّ السّاخرَ دَفَعَهُ كبرُهُ إلى
ذلك ؛ فظن أنَّ في نفسه صفةً زائدة على المسخور منه فيغتر بذلك ، وذلك مثل من يغتر بنسبه أو ماله أو بعافيته أو بجماله أو بمكانته أو بمنصبه ، وغير ذلك من الأمور التي تحمل ضعيف النفس والإيمان على العجب والغرور . فاحذر أخي المسلم أنْ تسخر من أخيك المسلم ، واحذر أنْ يكون من تسخر به خيراً عند الله منك ، فقد روى زر بن حبيش عن ابن مسعود t أنَّه كان يجتني سواكاً من الأراك ، وكان دقيقَ الساقين فجعلت الريح تكفؤه فضحك القوم منه فقال رسول الله r : (( مم تضحكون ؟ )) قالوا : يا نبي الله ، من دقة ساقيه ، فقال : (( والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أُحُد ))([8]) .