مسئولية الداعي الحق ووظيفته الحقيقية:
لا يملك الأنبياء عليهم السلام ولا غيرهم من البشر أن يلقوا الهداية في قلوب الناس، كما لا يملك الشيطان أن يزرع الضلال في النفوس البشرية بخيار من عنده.
وكل ما يملكه كل منهما، الداعية إلى الحق ، والداعية إلى الضلال ،أن يدعو الخلق إلى طريقه ، أما اختيار الضلالة أو الهداية فإن ذلك يتوقف كليا ويرجع إلى رغبة الإنسان نفسه وإلى توفيق الله سبحانه لسلوك ذلك الطريق.
والدعاة إنما يملكون حق هداية الدلالة والإرشاد فقط، وإنما هداية التوفيق والإلهام فهي ملكية خاصة بالله سبحانه وتعالى ، قال الله تعالى : {وَمَا عَلَى الرّسُولِ إِلاّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ} ، وقال تعالى : {إِنّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـَكِنّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}،وقال تعالى:{إِن تَحْرِصْ عَلَىَ هُدَاهُمْ فَإِنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلّ وَمَا لَهُمْ مّن نّاصِرِينَ} ، وقال تعالى : {وَمَآ أَكْثَرُ النّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} .
وينبغي على الداعي أن لا يفكر ، في أن الناس هل يستمعون لدعوته أم لا . ولا ينبغي أن يهمه أن الزمان هل يوفق دعوته أم يعارضها ، بل ينبغي عليه أن يفكر في أنه يفعل كل ما يستطيع من أسباب لجلب أولئك القوم واستمالتهم وجذبهم من الضلالة والردى إلى الفلاح والهدى ، قال الله تعالى : {وَإِذَا قَالَتْ أُمّةٌ مّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىَ رَبّكُمْ وَلَعَلّهُمْ يَتّقُونَ} .
إن الثقة بالله وبالنصر من عند الله، والاعتماد على توفيقه وتأييده ، لابد وأن يتحقق منه قدر كبير عند الداعية، وتلك الثقة هي التي تأخذ بيديه وتمسح الدموع من عينيه، عندما يقف المعاندون في طريق الدعوة، ويريدون أن يزرعوا العقبات في سبيل امتدادها حتى يخيل إلى الداعية أنها وصلت إلى طريق مسدود وسوف لا تستطيع أن تشق طريقها إلى الأمام. فإذا بالداعية يشعر كأن نصر الله حليفه. ويتأكد في قرارة نفسه أنها تستوفي حظها من الامتداد والانتشار، مهما وضعت في طريقها العراقيل، لأن الله رضيها منهجا صحيحا وطريقا محببا، وتلك هي الثقة التي تتمثل في قوله تعالى: {وَمَا لَنَآ أَلاّ نَتَوَكّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنّ عَلَىَ مَآ آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُتَوَكّلُونَ} .