ينبغي أن يعلم أن التظاهر بهذ الكيفية ليس إسلاميًّا فلا نعلمه ورد عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أن يخرج جماعة يهتفون بشعار واحد، وليس إلا تقليدًا لأعداء الإسلام وتشبه بهم والرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: ((من تشبّه بقوم فهو منهم)).
أما مقاصده فمنها: التباهي على أهل السنة بالكثرة، وهذا منهيّ عنه، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ولا تكونوا كالّذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء النّاس ويصدّون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط[1]﴾.
ومنها: الإرجاف أيضًا على أهل السنة، وهذا أيضًا منهيّ عنه ومتوعد عليه، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿لئن لم ينته المنافقون والّذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينّك بهم ثمّ لا يجاورونك فيها إلاّ قليلاً ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتّلوا تقتيلاً[2]﴾.
ومنها: التكبر والسخرية، وهذا منهيّ عنه، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ياأيّها الّذين ءامنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكنّ خيرًا منهنّ ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظّالمون[3]﴾.
قال البخاري رحمه الله تعالى: حدّثنا سليمان بن حرب، حدّثنا شعبة، عن منصور، قال: سمعت أبا وائل يحدّث عن عبدالله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)) تابعه غندر عن شعبة.
حدّثنا أبومعمر، حدّثنا عبدالوارث، عن الحسين، عن عبدالله بن بريدة، عن يحيى بن يعمر، أنّ أبا الأسود الدّيليّ حدّثه عن أبي ذرّ رضي الله عنه أنّه سمع النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: ((لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدّت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك)).
قال البخاري رحمه الله (ج10 ص465): حدّثني عمر بن حفص، حدّثنا أبي، حدّثنا الأعمش، عن المعرور هو ابن سويد، عن أبي ذرّ، قال: رأيت عليه بردًا وعلى غلامه بردًا، فقلت: لو أخذت هذا فلبسته كانت حلّةً، وأعطيته ثوبًا آخر، فقال: كان بيني وبين رجل كلام وكانت أمّه أعجميّةً فنلت منها، فذكرني إلى النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال لي: ((أساببت فلانًا))؟ قلت: نعم. قال: ((أفنلت من أمّه))؟ قلت: نعم. قال: ((إنّك امرؤ فيك جاهليّة)) قلت: على حين ساعتي هذه من كبر السّنّ. قال: ((نعم، هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن جعل الله أخاه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا يكلّفه من العمل ما يغلبه، فإن كلّفه ما يغلبه فليعنه عليه)).
قال البخاري رحمه الله (ج8 ص652): حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، قال: حفظناه من عمرو بن دينار، قال: سمعت جابر بن عبدالله رضي الله عنهما يقول: كنّا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار. فقال الأنصاريّ: يا للأنصار، وقال المهاجريّ: يا للمهاجرين، فسمّعها الله رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((ما هذا))؟ فقالوا: كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاريّ: يا للأنصار، وقال المهاجريّ: يا للمهاجرين، فقال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((دعوها فإنّها منتنة)) قال جابر: وكانت الأنصار حين قدم النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أكثر ثمّ كثر المهاجرون بعد. فقال عبدالله بن أبيّ: أوقد فعلوا، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ. فقال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، قال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((دعه لا يتحدّث النّاس أنّ محمّدًا يقتل أصحابه)).
قال البخاري رحمه الله (ج3 ص163): حدّثنا أبونعيم، حدّثنا سفيان، حدّثنا زبيد الياميّ، عن إبراهيم، عن مسروق، عن عبدالله رضي الله عنه قال: قال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-
(ليس منّا من لطم الخدود، وشقّ الجيوب، ودعا بدعوى الجاهليّة)).اهـ. ودعوى الجاهلية تشمل التعصب المذهبي، والتعصب الجاهلي.
قال مسلم رحمه الله (ج2 ص644): حدّثنا أبوبكر بن أبي شيبة، حدّثنا عفّان، حدّثنا أبان بن يزيد (ح) وحدّثني إسحق بن منصور، واللّفظ له أخبرنا حبّان بن هلال، حدّثنا أبان، حدّثنا يحيى، أنّ زيدًا حدّثه أنّ أبا سلاّم حدّثه أنّ أبا مالك الأشعريّ حدّثه أنّ النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((أربع في أمّتي من أمر الجاهليّة لا يتركونهنّ، الفخر في الأحساب، والطّعن في الأنساب، والاستسقاء بالنّجوم، والنّياحة، وقال: النّائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب)).
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج4 ص1986): حدّثنا عبدالله بن مسلمة بن قعنب، حدّثنا داود يعني ابن قيس، عن أبي سعيد مولى عامر بن كريز، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التّقوى هاهنا -ويشير إلى صدره ثلاث مرّات- بحسب امرئ من الشّرّ أن يحقر أخاه المسلم، كلّ المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه)).اهـ
قال البخاري رحمه الله (ج10 ص481): حدّثنا بشر بن محمّد، أخبرنا عبدالله، أخبرنا معمر، عن همّام بن منبّه، عن أبي هريرة، عن النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((إيّاكم والظّنّ، فإنّ الظّنّ أكذب الحديث، ولا تحسّسوا، ولا تجسّسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا)).
حدّثنا أبواليمان، أخبرنا شعيب، عن الزّهريّ، قال: حدّثني أنس بن مالك رضي الله عنه أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: قال: ((لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيّام)). اهـ
ومن مقاصد ذلكم التظاهر: إثارة الفتن، فإنه يسوء الرافضة أن تجتمع كلمة المسلمين، وقد كان سلفهم الباطنيون يقطعون الطريق على الحجيج، بل هجموا على الحجيج في الحرم وقتلوهم قتلاً ذريعًا ورموا ببعضهم في بئر زمزم، واقتلعوا الحجر الأسود وما ردوه إلا بعد زمن.
وهل خرج الخميني من فرنسا إلا لإثارة الفتن بين المسلمين، ورب العزة يأمر عباده باجتناب الفتن فقال سبحانه وتعالى: ﴿واتّقوا فتنةً لا تصيبنّ الّذين ظلموا منكم خاصّةً[4]﴾.
وقال تعالى: ﴿فليحذر الّذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم[5]﴾.
وقال الإمام البخاري رحمه الله (ج13 ص23): باب قول النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((من حمل علينا السّلاح فليس منّا)).
حدّثنا عبدالله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن نافع، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((من حمل علينا السّلاح فليس منّا)).
حدّثنا محمّد بن العلاء، حدّثنا أبوأسامة عن بريد، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((من حمل علينا السّلاح فليس منّا)).
حدّثنا محمّد، أخبرنا عبدالرّزّاق، عن معمر، عن همّام، سمعت أبا هريرة عن النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((لا يشير أحدكم على أخيه بالسّلاح، فإنّه لا يدري لعلّ الشّيطان ينْزغ في يده، فيقع في حفرة من النّار)).
حدّثنا عليّ بن عبدالله، حدّثنا سفيان، قال: قلت لعمرو: يا أبا محمّد سمعت جابر بن عبدالله يقول: مرّ رجل بسهام في المسجد فقال له رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((أمسك بنصالها))؟ قال: نعم.
حدّثنا أبوالنّعمان، حدّثنا حمّاد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر أنّ رجلاً مرّ في المسجد بأسهم قد بدا نصولها، فأمر أن يأخذ بنصولها لا يخدش مسلمًا.
حدّثنا محمّد بن العلاء، حدّثنا أبوأسامة، عن بريد، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((إذا مرّ أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نبل فليمسك على نصالها، أو قال: فليقبض بكفّه أن يصيب أحدًا من المسلمين منها شيء)).
وقال البخاري رحمه الله (ج13 ص26): باب قول النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لا ترجعوا بعدي كفّارًا يضرب بعضكم رقاب بعض)).
حدّثنا عمر بن حفص، حدّثني أبي، حدّثنا الأعمش، حدّثنا شقيق. قال: قال: عبدالله قال: النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)).
حدّثنا حجّاج بن منهال، حدّثنا شعبة، أخبرني واقد، عن أبيه، عن ابن عمر، أنّه سمع النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: ((لا ترجعوا بعدي كفّارًا، يضرب بعضكم رقاب بعض)).
حدّثنا مسدّد، حدّثنا يحيى، حدّثنا قرّة بن خالد، حدّثنا ابن سيرين، عن عبدالرّحمن بن أبي بكرة، عن أبي بكرة، وعن رجل آخر هو أفضل في نفسي من عبدالرّحمن بن أبي بكرة، عن أبي بكرة أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- خطب النّاس فقال: ((ألا تدرون أيّ يوم هذا))؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه بغير اسمه. فقال: ((أليس بيوم النّحر))؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: ((أيّ بلد هذا أليست بالبلدة الحرام))؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: ((فإنّ دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، وأبشاركم، عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلّغت)) قلنا: نعم. قال: ((اللّهمّ اشهد، فليبلّغ الشّاهد الغائب، فإنّه ربّ مبلّغ يبلّغه لمن هو أوعى له، فكان كذلك، قال: لا ترجعوا بعدي كفّارًا يضرب بعضكم رقاب بعض))، فلمّا كان يوم حرّق ابن الحضرميّ حين حرّقه جارية بن قدامة قال: أشرفوا على أبي بكرة فقالوا: هذا أبوبكرة يراك. قال عبدالرّحمن: فحدّثتني أمّي عن أبي بكرة أنّه قال: لو دخلوا عليّ ما بهشت بقصبة.
حدّثنا أحمد بن إشكاب، حدّثنا محمّد بن فضيل، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: قال النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لا ترتدّوا بعدي كفّارًا يضرب بعضكم رقاب بعض)).
حدّثنا سليمان بن حرب، حدّثنا شعبة، عن عليّ بن مدرك، سمعت أبا زرعة بن عمرو بن جرير، عن جدّه جرير قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في حجّة الوداع: ((استنصت النّاس)) ثمّ قال: ((لا ترجعوا بعدي كفّارًا، يضرب بعضكم رقاب بعض)).
وقال رحمه الله ص(29): باب تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم.
حدّثنا محمّد بن عبيدالله، حدّثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن أبي سلمة ابن عبدالرّحمن، عن أبي هريرة. قال إبراهيم: وحدّثني صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من السّاعي، من تشرّف لها تستشرفه، فمن وجد منها ملجأً أو معاذًا فليعذ به)).
حدّثنا أبواليمان، أخبرنا شعيب، عن الزّهريّ، أخبرني أبوسلمة بن عبدالرّحمن، أنّ أبا هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي فيها خير من السّاعي، من تشرّف لها تستشرفه، فمن وجد ملجأً أو معاذًا فليعذ به)).
قال البخاري رحمه الله ص (31): باب إذا التقى المسلمان بسيفيهما.
حدّثنا عبدالله بن عبدالوهّاب، حدّثنا حمّاد، عن رجل لم يسمّه، عن الحسن قال: خرجت بسلاحي ليالي الفتنة، فاستقبلني أبوبكرة فقال: أين تريد؟ قلت: أريد نصرة ابن عمّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، فكلاهما من أهل النّار)) قيل: فهذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: ((إنّه أراد قتل صاحبه)).
قال حمّاد بن زيد: فذكرت هذا الحديث لأيّوب ويونس بن عبيد وأنا أريد أن يحدّثاني به. فقالا: إنّما روى هذا الحديث الحسن، عن الأحنف بن قيس، عن أبي بكرة، حدّثنا سليمان، حدّثنا حمّاد بهذا. وقال مؤمّل: حدّثنا حمّاد بن زيد، حدّثنا أيّوب ويونس وهشام ومعلّى بن زياد، عن الحسن، عن الأحنف، عن أبي بكرة، عن النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. ورواه معمر، عن أيّوب، ورواه بكّار ابن عبدالعزيز، عن أبيه، عن أبي بكرة. وقال غندر: حدّثنا شعبة، عن منصور، عن ربعيّ بن حراش، عن أبي بكرة، عن النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، ولم يرفعه سفيان، عن منصور.
ثم قال البخاري رحمه الله (ج13 ص37): باب من كره أن يكثّر سواد الفتن والظّلم.
حدّثنا عبدالله بن يزيد، حدّثنا حيوة وغيره، قالا: حدّثنا محمّد بن عبدالرّحمن أبوالأسود، قال: قطع على أهل المدينة بعث، فاكتتبت فيه، فلقيت عكرمة فأخبرته فنهاني عن ذلك أشدّ النّهي، ثمّ قال: أخبرني ابن عبّاس أنّ ناسًا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثّرون سواد المشركين على عهد رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فيأتي السّهم فيرمى به فيصيب أحدهم فيقتله، أو يضربه فيقتل، فأنزل الله: ﴿إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم﴾.
ثم قال البخاري رحمه الله ص(40): باب التّعرّب في الفتنة.
حدّثنا قتيبة بن سعيد، حدّثنا حاتم، عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع، أنّه دخل على الحجّاج فقال: يا ابن الأكوع ارتددت على عقبيك تعرّبت، قال: لا، ولكنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أذن لي في البدو. وعن يزيد بن أبي عبيد قال: لمّا قتل عثمان بن عفّان خرج سلمة بن الأكوع إلى الرّبذة وتزوّج هناك امرأةً وولدت له أولادًا، فلم يزل بها حتّى قبل أن يموت بليال فنزل المدينة.
حدّثنا عبدالله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن عبدالرّحمن بن عبدالله بن أبي صعصعة، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه أنّه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفرّ بدينه من الفتن)).
ثم قال البخاري رحمه الله ص(43): باب التّعوّذ من الفتن.
حدّثنا معاذ بن فضالة، حدّثنا هشام، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه قال: سألوا النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حتّى أحفوه بالمسألة، فصعد النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ذات يوم المنبر فقال: ((لا تسألوني عن شيء إلا بيّنت لكم))، فجعلت أنظر يمينًا وشمالاً فإذا كلّ رجل رأسه في ثوبه يبكي، فأنشأ رجل كان إذا لاحى يدعى إلى غير أبيه فقال: يا نبيّ الله من أبي؟ فقال: ((أبوك حذافة)) ثمّ أنشأ عمر فقال: رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمّد رسولاً، نعوذ بالله من سوء الفتن، فقال: النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((ما رأيت في الخير والشّرّ كاليوم قطّ، إنّه صوّرت لي الجنّة والنّار حتّى رأيتهما دون الحائط)) قال قتادة: يذكر هذا الحديث عند هذه الآية: ﴿يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم﴾ وقال عبّاس النّرسيّ: حدّثنا يزيد بن زريع، حدّثنا سعيد، حدّثنا قتادة، أنّ أنسًا حدّثهم أنّ نبيّ الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بهذا. وقال: كلّ رجل لافًّا رأسه في ثوبه يبكي وقال: عائذًا بالله من سوء الفتن، أو قال: أعوذ بالله من سوأى الفتن.
قال البخاري رحمه الله (ج2 ص317): حدّثنا أبواليمان. قال: أخبرنا شعيب، عن الزّهريّ. قال: أخبرنا عروة بن الزّبير، عن عائشة زوج النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أخبرته أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان يدعو في الصّلاة: ((اللّهمّ إنّي أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدّجّال، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات، اللّهمّ إنّي أعوذ بك من المأثم والمغرم)) فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم فقال: ((إنّ الرّجل إذا غرم حدّث فكذب، ووعد فأخلف)).
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج1 ص128): حدّثنا محمّد بن عبدالله بن نمير، حدّثنا أبوخالد يعني سليمان بن حيّان، عن سعد بن طارق، عن ربعيّ، عن حذيفة. قال: كنّا عند عمر فقال: أيّكم سمع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه. فقال: لعلّكم تعنون فتنة الرّجل في أهله وجاره؟ قالوا: أجل. قال: تلك تكفّرها الصّلاة والصّيام والصّدقة، ولكن أيّكم سمع النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يذكر الفتن الّتي تموج موج البحر؟ قال حذيفة: فأسكت القوم. فقلت: أنا. قال: أنت لله أبوك. قال حذيفة: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: ((تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأيّ قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأيّ قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتّى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصّفا، فلا تضرّه فتنة ما دامت السّموات والأرض، والآخر أسود مربادًّا، كالكوز مجخّيًا، لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا، إلا ما أشرب من هواه)). قال حذيفة: وحدّثته أنّ بينك وبينها بابًا مغلقًا، يوشك أن يكسر. قال عمر: أكسرًا لا أبا لك، فلو أنّه فتح لعلّه كان يعاد. قلت: لا، بل يكسر، وحدّثته أنّ ذلك الباب رجل يقتل أو يموت، حديثًا ليس بالأغاليط.
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج1 ص110): حدّثني يحيى بن أيّوب، وقتيبة، وابن حجر، جميعًا عن إسماعيل بن جعفر. قال ابن أيّوب: حدّثنا إسماعيل. قال: أخبرني العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة أنّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((بادروا بالأعمال فتنًا كقطع اللّيل المظلم، يصبح الرّجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، أو يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدّنيا)). اهـ
فالخميني آلة فتنة، لا نشك أنه عميل لأمريكا ولروسيا، فها هو يستمد قواته منهم، وهو أيضًا عميل لليهود فها هم بقواتهم في لبنان يقصفون المخيمات الفلسطينية، فقد افتضح أمر الرجل، وماذا يضر أمريكا أو روسيا الهتاف الخميني: تسقط أمريكا، أو تسقط روسيا، وهو ينفذ لهما مخططاتهما ولقد أحسن الشيخ محمد بن سالم البيحاني رحمه الله إذ يقول:
هيهات لا ينفع التصفيق ممتلئًا (فليحيا) أو (فليمت) لا يستقيم بهافكم خطيب سمعنا وهو مندفعيا أسكت الله أفواهًا تصيح له
به الفضاء ولا صوت الهتافات شعب ولا يسقط الجبار والعاتيوما له أثر ماض ولا آتيفكم بلينا بتصفيق وأصوات
ولسنا نصدق الخمينى في زعمه أنه يقاطع أمريكا وروسيا، ولم نصدقه في احتجاز الرهائن الأمريكيين، نحن نعلم أنّها عن تمالئ مع أمريكا، ليظهر بطولته عند المسلمين ليثقوا به، ويشبهها قضية رمي بيت القذافي فهي أيضًا عن تمالئ مع أمريكا ليظهر عداوته لأمريكا، فقد أصبح الزعيم اليوم يظهر الصداقة مع دولة وهو في الباطن يعاديها، ويظهر العداوة لدولة وهو في الباطن يصادقها ولقد أحسن محمد بن سالم البيحاني رحمه الله إذ يقول:
دولة تدّعي صداقة أخرىما أظن الحياة إلا خداعًاقد بلينا بأجنبيّ شقيّلو رجعنا إلى الصواب لعشنا
وهي والله ضدها في الحقيقةيجعل الدولة العدوّ صديقةيزرع الشر في الشعوب الشقيقةفي سلام وسالمتنا الخليقة
فالرجل يتظاهر بعداوة أعداء الإسلام، ثم ارتقى به الحال إلى نصب العداوة الحقيقية للمسلمين، فها هو يقول الخبيث: إنه يريد فتح مكة قبل فلسطين. ونحن لا نشك أنه مدفوع من قبل أعداء الإسلام، ولقد أحسن محمد ابن سالم البيحاني رحمه الله إذ يقول:
كل يوم ونحن نسمع عجلاًوإذا قيل: أيها العجل صمتًاألّهتني بعض الطوائف حتىعظّموني فصرت شيئًا عظيمًا
يشتم الأبرياء حين يخورقال: إني بشتم قومي فخورقدمت لي هباتهم والنذور تتهاوى من تحت قرني الصخور
ولا يعرف حقيقة الرجل إلا من قرأ في تاريخ الرافضة وما هم عليه من كيد الإسلام والعداء لأهله، فإني أنصح بقراءة ما قيل عن الرافضة في ((الفصل)) لأبي محمد بن حزم و((الملل والنحل)) للشهرستاني و((الفرق بين الفرق)) للبغدادي، وقد نقلت عن هذه الكتب بعض الشيء في كتابي ((إرشاد ذوي الفطن لإبعاد غلاة الروافض من اليمن[6])) ومن أحسن الكتب التي تبين حقيقة الرجل كتاب أخينا في الله عبدالله محمد الغريب فجزاه الله خيرًا، وإني أنصح كل سني بقراءته، فقد كشف تلبيس الرافضي الأثيم الخمينى، وأنصح بقراءة كتاب الخميني ((الحكومة الإسلامية)) لمن كان أهلاً لذلك تجد فيه أنه اثنا عشري رافضي.
فإن قلت: إننا نسمع من إذاعتهم الكلام الطيب. قلت: هذا لا ينفع مع خبث العقيدة وعداوة المسلمين، وهل أنت تتوقع منه الآن أن يقول: إنه يريد هدم الإسلام؟! فهذا فرعون الذي يقول: ﴿أنا ربّكم الأعلى[7]﴾، ويقول: ﴿ما علمت لكم من إله غيري[8]﴾، يقول لقومه: ﴿ما أريكم إلاّ ما أرى وما أهديكم إلاّ سبيل الرّشاد[9]﴾. ويقول في نبى الله موسى: ﴿إنّي أخاف أن يبدّل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد[10]﴾.
ويقول تعالى عن سحرة فرعون وهم آنذاك كفار لم يسلموا أنهم يقولون في موسى وهارون: ﴿قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى[11]﴾.
وقال سبحانه وتعالى في المنافقين: ﴿وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنّما نحن مصلحون[12]﴾. قال الله مكذبًا لهم: ﴿ألا إنّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون[13]﴾.
فإياك إياك أن تغتر بخطبهم من إذاعتهم، فإن الله عز وجل يقول في كتابه الكريم: ﴿ومن النّاس من يعجبك قوله في الحياة الدّنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنّسل والله لا يحبّ الفساد وإذا قيل له اتّق الله أخذته العزّة بالإثم فحسبه جهنّم ولبئس المهاد[14]﴾.والرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: ((إنّ من البيان لسحرًا)).
قال الإمام البخاري رحمه الله (ج10 ص237): حدّثنا عبدالله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنّه قدم رجلان من المشرق فخطبا فعجب النّاس لبيانهما فقال: رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إنّ من البيان لسحرًا، أو إنّ بعض البيان لسحر)). اهـ
وقال الشاعر:
في زخرف القول تزيين لباطلهتقول: هذا مجاج النحل، تمدحه
والحق قد يعتريه سوء تعبيروإن تشأ قلت: ذا قيّ الزنابير
ولست أطلب منك أن تسيء الظن بكل خطيب وداع وواعظ، فمعاذ الله وهذا هو غرض أعداء الإسلام، فهم الذين يبثون الدعايات الملعونة التي تنفر عن الدعاة إلى الله، وقد تكلمنا على هذا في كتابنا ((المخرج من الفتنة)) وفي ((السيوف الباترة لإلحاد الشيوعية الكافرة)). ولكني أحذرك من هذه الطائفة الزائغة لسوء عقيدتها، ولو فرضنا أنّهم متحمسون للدين فهذا لا ينفعهم حتى يكونوا مستسلمين لسنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال الله سبحانه وتعالى: ﴿فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا[15]﴾.
وقال تعالى: ﴿ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من ءامن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيّين وءاتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسّائلين وفي الرّقاب وأقام الصّلاة وءاتى الزّكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصّابرين في البأساء والضّرّاء وحين البأس أولئك الّذين صدقوا وأولئك هم المتّقون[16]﴾.
وهذه التظاهرات تدل على سوء المقصد، وخبث العقيدة. بلد أمّنه الله وتوعد على الإلحاد فيه، فإذا هؤلاء المخذولون يفتحون باب شر للمسلمين ويدعون إلى الفرقة بين المسلمين التي نهى الله عنها ورسوله. وهذا الذي نتوقعه من الرافضة وهذه سننهم التي سنها لهم عبدالله بن سبأ، والحمد لله الذي فضحهم وجعلهم يبدون ما يكتمونه، فقطْع سبيل الحاج يعتبر من أكبر الكبائر، وقد بلغني أنّهم أقاموا تظاهرًا جاهليًّا من الحجون إلى المعابدة، ووقفوا حركة السير، وقطعوا الناس عن أداء مناسكهم التي سافروا من أجل أدائها، قاتل الله الرافضة الصم البكم العمي الذين لا يعقلون.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] سورة الأنفال، الآية:47.
[2] سورة الأحزاب، الآية:60-61.
[3] سورة الحجرات، الآية:11.
[4] سورة الأنفال، الآية:25.
[5] سورة النور، الآية:63.
[6] وسيأتي إن شاء الله في هذا الكتاب الكثير الطيب في بيان ضلالهم.
[7] سورة النازعات، الآية: 24.
[8] سورة القصص، الآية:38.
[9] سورة غافر، الآية:29.
[10] سورة غافر، الآية:26.
[11] سورة طه، الآية:63.
[12] سورة البقرة، الآية:11.
[13] سورة البقرة، الآية:12.
[14] سورة البقرة، الآية:204-206.
[15] سورة النساء، الآية:65.
[16] سورة البقرة، الآية:177