ص -59- باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله
وقول الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف: 108] الآية.
عن ابن عباس –رضي الله عنهما- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- لما بعث معاذاً إلى اليمن قال: "إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله" وفي رواية: "إلى أن يوحدوا الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد علي فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" أخرجاه.(1).
ولهما عن سهل بن سعد –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال يوم خيبر: "لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه" فبات الناس يدكون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبحوا غدوا على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كلهم يرجون أن يعطاها، فقال: "أين علي بن أبي طالب؟" فقيل: هو يشتكي عينيه، فأرسلوا إليه، فأتي به فبصق في عينيه، ودعا له، فبرأ كأن لم يكن به
----------------ـ
(1) تقدم تخريجه.
ص -60- وجع، فأعطاه الراية، وقال: "انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاَ واحداً خير لك من حمر النعم"(1).
(يدوكون: أي يخوضون).
فيه مسائل:
الأولى: أن الدعوة إلى الله طريق من اتبع رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
الثانية: التنبيه على الإخلاص؛ لأن كثيراً من الناس لو دعا إلى الحق فهو يدعو إلى نفسه.
الثالثة: أن البصيرة من الفرائض.
الرابعة: من دلائل حُسن التوحيد كونه تنزيهاً لله تعالى عن المسبَّة.
الخامسة: من قُبح الشرك كونه مسبَّة لله.
السادسة: -وهي من أهمها- إبعاد المسلم عن المشركين؛ لئلا يصير منهم ولو لم يشرك.
السابعة: كون التوحيد أول واجب.
الثامنة: أن يبدأ به قبل كل شيء حتى الصلاة.
التاسعة: أن معنى: "يوحدوا الله": معنى شهادة أن لا إله إلا الله.
العاشرة: أن الإنسان قد يكون من أهل الكتاب وهو لا يعرفها، أو يعرفها ولا يعمل بها.
الحادية عشرة: التنبيه على التعليم بالتدريج.
الثانية عشرة: البُداءة بالأهم فالأهم.
----------------ـ
(1) أخرجه البخاري (3701) ومسلم (2406)
ص -61- الثالثة عشرة: مصرف الزكاة.
الرابعة عشرة: كشفُ العالم الشبهةَ عن المتعلم.
الخامسة عشرة: النهي عن كرائم الأموال.
السادسة عشرة: اتقاء دعوة المظلوم.
السابعة عشرة: الإخبار بأنها لا تحجب.
الثامنة عشرة: من أدلة التوحيد ما جرى على سيد المرسلين وسادات الأولياء من المشقة والجوع والوباء.
التاسعة عشرة: قوله: "لأعطين الراية ..." علمُ من أعلام النبوة.
العشرون: تفْلُه في عينيه عَلَمُ من أعلامها أيضاً.
الحادية والعشرون: فضيلة علي رضي الله عنه.
الثانية والعشرون: فضل الصحابة في دَوْكِهم تلك الليلة وشُغلهم عن بشارة الفتح.
الثالثة والعشرون: الإيمان بالقدر، لحصولها لمن لم يسع لها ومنعها عمن سعى.
الرابعة والعشرون: الأدب في قوله: "على رسْلك".
الخامسة والعشرون: الدعوة إلى الإسلام قبل القتال.
السادسة والعشرون:الدعوة بالحكمة لقوله: "أخبرهم بما يجب عليهم".
الثامنة والعشرون: المعرفة بحق الله في الإسلام.
التاسعة والعشرون: ثوابُ من اهتدى على يديه رجلٌ واحد.
الثلاثون: الحلف على الفُتيا.
ص -62- الشرح:
هذا الباب هو "باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله" أي: باب الدعوة إلى التوحيد. وقد ذكر في الباب قبله الخوف من الشرك، وقبله ذَكَرَ فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب، و"باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب". ولما ذكر بعده الخوف من الشرك اجتمعت معالم حقيقة التوحيد في نفس الموحد، فهل من اجتمعت حقيقة التوحيد في قلبه، بأن عرف فضله، وعرف معناه، وخاف من الشرك، واستقام على التوحيد، وهرب من ضده، هل يبقى مقتصراً بذلك على نفسه، ويضنّ به على غيره، وهل تتم حقيقة التوحيد في قلبه إلا بأن يدعو إلى حق الله الأعظم، ألا وهو إفراده –جل وعلا- بالعبادة وبما يستحقه –سبحانه وتعالى- من نعوت الجلال وأوصاف الجمال؟؟!.
بوب الشيخ –رحمه الله- بهذا الباب؛ ليدل على أن من تمام الخوف من الشرك، ومن تمام التوحيد أن يدعو المرءُ غيره إلى التوحيد؛ فإنه لا يتم في القلب حتى تدعو إليه، وهذه حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله؛ لأن الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله عُلمت حيث شهد العبد المسلم لله بالوحدانية بقوله: أشهد أن لا إله إلا الله، وشهادته معناها: اعتقاده ونطقه وإخباره غيرَه بما دلت عليه، فلا بد –إذاً تحقيقاً للشهادة، وإتماماً لها- أن يكون المكلَّف الموِّحد داعياً إلى التوحيد؛ لهذا ناسب أن يذكر هذا الباب بعد الأبواب قبله، ثم إن له مناسبة أخرى لطيفة، وهي أن ما بعد هذا الباب هو تفسير للتوحيد وبيان لأفراده، وتفسير للشرك وبيان لأفراده، فتكون الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا
ص -63- الله، وإلى التوحيد دعوة إلى تفاصيل ذلك. وهذا من المهمات؛ لأن كثيراً من المنتسبين للعلم –من أهل الأمصار- يسلِّمون بالدعوة إلى التوحيد إجمالاً، ولكن إذا أتى التفصيل في بيان مسائل التوحيد، أو جاء التفصيل في بيان أفراد الشرك، فإنهم يخالفون في ذلك، وتغلبهم نفوسهم في مواجهة الناس بحقائق أفراد التوحيد، وأفراد الشرك.
فالذي تميزت به دعوة الإمام المصلح –رحمه الله- أن الدعوة فيها على شهادة أن لا إله إلا الله دعوة تفصيلية، ليست إجمالية، أما الإجمال فيدعو إليه كثيرون ممن يقولون: نهتم بالتوحيد، ونبرأ من الشرك، لكن لا يذكرون تفاصيل ذلك. والذي ذكره الإمام –رحمه الله- في بعض رسائله أنه لما عرض هذا الأمر –يعني الدعوة إلى التوحيد- على علماء الأمصار قال: "وافقوني على ما قلت، وخالفوني في مسألتين: في مسالة التكفير، وفي مسألة القتال. وهاتان المسألتان سبب مخالفة أولئك العلماء للشيخ؛ لأنهما فرعان ومتفرعان عن البيان والدعوة إلى أفراد التوحيد، والنهي عن أفراد الشرك.
فالدعاء –إذاً- إلى شهادة أن لا إله إلا الله هو الدعاء إلى ما دلت عليه من التوحيد، والدعاء إلى ما دلت عليه من نفي الشريك في العبادة، وفي الربوبية، وفي الأسماء والصفات عن الله –جل وعلا- وهذه الدعوة دعوة تفصيلية لا إجمالية؛ ولهذا فصل الإمام –رحمه الله- في هذا الكتاب أنواع التوحيد، وأفراد توحيد العبادة، وفصّل الشرك الأكبر والأصغر، فبيّن أفراداً من ذاك وذاك.
وسيأتي تفسير شهادة أن لا إله إلا الله في الباب الذي بعده؛ لأنه "باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله".
ص -64- قال -رحمه الله-: وقول الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108].
هذه الآية من آخر سورة يوسف هي في الدعوة إلى الله من أولها إلى آخرها، فموضوعها –إذاً الدعوة؛ ولهذا جاء في آخرها قواعد مهمة في بيان حال الدعاة إلى الله، وحال الرسل الذين دعوا إلى الله، وما خالف به الأكثرون، وفي آخر تلك السورة قال الله –جل وعلا- لنبيه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} أي سبيلي ومنهجي: أنني أدعو إلى الله، فمهمة الرسل هي الدعوة إلى الله –جل وعلا-.
فأحسن الأقوال: قول من دعا إلى الله، وأحسن الأعمال عمل من دعا إلى الله –جل وعلا- قال سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33]. قال الحسن البصري –رحمه الله- في تفسير هذه الآية –ما معناه-: "هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله من خلقه، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، هذا حبيب الله".(1).
----------------ـ
(1) أخرجه عبد الرزاق في التفسير2/187.
ص -65- وهذا أمر عظيم؛ فالداعي إلى الله هو أحسن أهل الأقوال قولاً كما دلت عليه الآية السابقة.
وموطن الشاهد من قوله: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} هو قوله: {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} فإنه دعاء إلى الله –جل وعلا- لا إلى غيره، وفي هذا فائدتان:
الأولى: أن الدعوة إلى الله دعوة إلى توحيده، ودعوة إلى دينه، كما سيأتي تفسير هذه الكلمة في الحديثين بعدها، حديث ابن عباس في إرسال معاذ إلى اليمن، وحديث سهل بن سعد –رضي الله عنه- في إعطاء عليٍّ الراية.
فدلّ قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} على الفائدة –كما تقدم- وهي أن الدعوة إلى الله فيها دعوة إلى التوحيد.
الثانية: التنبيه على الإخلاص، وهذا يحتاجه من أراد الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله، والدعاء إلى الإسلام، يعني أن الداعي إلى الإسلام يحتاج أن يكون مخلصاً في ذلك؛ ولهذا قال الشيخ –رحمه الله- في مسائل هذا الباب في قوله: "{إِلَى اللَّهِ} التنبيه على الإخلاص؛ لأن كثيرين –وإن دعوا إلى الحق- فإنما يدعون إلى أنفسهم، أو نحو ذلك".
وقوله في الآية: {عَلَى بَصِيرَةٍ} البصيريةُ: هي العلم، وهي للقلب كالبصر للعين يبصر بها المعلومات والحقائق، فكما أنك بالعين تبصِر الأجرام والذوات، فإنك ببصيرة القلب والعقل تدرك المعلومات، والمعنى: أنه دعا على علم، وعلى يقين، وعلى معرفة، لم يدعُ إلى الله على جهالة.
ص -66- وقوله تعالى: {أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} يعني: أدعو أنا إلى الله، وكذلك من اتبعني ممن أجاب دعوتي، فإنهم يدعون إلى الله أيضاً على بصيرة، وهذا أيضاً من مناسبة إيراد الآية تحت هذا الباب؛ لأن أتباع النبي –صلى الله عليه وسلم- يدعون إلى الله.
فالمتبعون للرسول –عليه الصلاة والسلام- والموحدون لله لا بد لهم من الدعوة إلى الله، بل هذه صفته –صلى الله عليه وسلم- وصفتهم التي أمر الله نبيه أن يُخبر عنها، فقال: {قُلْ} يعني: يا محمد {هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} فهذه إذاً خصلة أتباع الأنبياء الذين لم يخافوا من الشرك فحسب، بل دعوا إلى ذلك، وهذا أمر حتمي ولازم؛ لأن من عرف عِظم حق الله –جل وعلا- فإنه يغار على حق الرب سبحانه وتعالى، وكيف لا يغار على مولاه، وعلى حق من أحبه فوق كل محبوب من أن يكون توجه الخلق إلى غيره بنوع من أنواع التوجهات؟!. فلا بد أن يدعو إلى أصل الدين وأصل الملة الذي اجتمعت عليه الأنبياء والمرسلون، ألا وهو توحيده –جل وعلا- في عبادته، وفي ربوبيته، وفي أسمائه وصفاته –جل وعلا، وعز سبحانه-.
ثم ساق الإمام –رحمه الله- حديث ابن عباس أنه قال: (لما بعث النبي –صلى الله عليه وسلم- معاذاً إلى اليمن قال: "إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله" وفي رواية: "إلى أن يوحدوا الله" هذا موطن الشاهد، وهو أن النبي –صلى الله عليه وسلم أمر معاذاً أن يكون
ص -67- أول ما يدعو إليه هو شهادة أن لا إله إلا الله، وفسّرتها الرواية الأخرى للبخاري في كتاب التوحيد من صحيحه، وهي بلفظ: "إلى أن يوحدوا الله"..(1).
فالدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله مأمور بها، وهي الدعوة إلى التوحيد. فالنبي عليه الصلاة والسلام أمر معاذاً أن يدعو أهل اليمن، وكانوا أهل الكتاب، يعني: من أهل من الكتاب المُتَعبدين بالتوراة والإنجيل، فبعضهم كان من اليهود، وبعضهم من النصارى، أما المشركون فيهم فهم قليل، وأكثرهم كان على إحدى الملتين.
قال العلماء: " قوله -عليه الصلاة والسلام- لمعاذ: "إنك تأتي قوماً أهل كتاب" فيه توطين وتوطئة للنفس بأنْ يهيئ نفسه لمناظرتهم، وقد كان معاذ بن جبل –رضي الله عنه- من العلماء بدين الإسلام، ومن علماء الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- فقال له عليه الصلاة والسلام ذلك ليهيئ نفسه لمناظرتهم ولدعوتهم، ثم أمره أن يكون أول ما يدعوهم إليه أن يوحدوا الله –جل وعلا-.
وفي إعراب قوله: "فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله" وجهان:
الأول: برفع قوله: (أولُ) على أنه اسم لـ(يكن)، ونصب قوله: (شهادة) على أنه الخبر. فيكون المعنى على هذا الوجه: أنه أخبره عن الأولية، فابتدأ بالأولية ثم أخبره بذلك الأول.
----------------ـ
(1) تقدم.
ص -68- الثاني: بنصب قوله: (أولَ) على أنه خبر لـ(يكن) مقدم، ورفع قوله: (شهادة) على أنه اسمها مؤخر، فيكون المعنى –على هذا الوجه-: الإخبار عن الشهادة بأنها أول ما يدعى إليه. وهذان الوجهان جائزان، والمشهور هو الوجه الثاني، يعني: بجعل (أول) منصوبة؛ وذلك لأن مقام ذكر الشهادة والابتداء بها هو الأعظم، وهو المقصود، ليلتفت السامع والمتلقي –وهو معاذ- إلى ما يُراد منه أن يُخبَر به من جهة الشهادة.
فموطن الشاهد من هذا الحديث، ومناسبة إيراده في الباب: هو ذكر أن التوحيد هو أول ما يدعى إليه، وهو شهادة أن لا إله إلا الله.
ثم ساق في الباب أيضاً حديث سهل بن سعد الذي في الصحيحين أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال يوم خيبر: "لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه" فبات الناس يدكون ليلتهم..."
قوله: "بات" البيتوتة هي: المكث في الليل سواءً أكان نوم أو لم يكن.
ومعنى قوله: "يدوكون ليلتهم" أي يخوضون في تلك الليلة، و(باتوا) يعني ظلوا ليلاً يتحدثون من دون نوم، لعظم هذا الفضل الذي ذكره عليه الصلاة والسلام.
قال: "...فلما أصبحوا غدوا على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كلهم يرجون أن يعطاها، فقال: "أين علي بن أبي طالب؟" فقيل: هو يشتكي عينيه، فأرسلوا إليه، فأتي به فبصق في عينيه، ودعا له، فبرأ كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، وقال: "انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام ...". فقوله: "انفذ على رسلك حتى
ص -69- تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام".(1)هذا هو موطن الشاهد والمناسبة من إيراد هذا الحديث في الباب.
قال: "ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه". فالدعوة إلى الإسلام هي الدعوة إلى التوحيد؛ لأن أعظم أركان الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وضم إليها عليه الصلاة والسلام أيضاً أن يدعوهم إلى حق الله فيه، يعني: إلى ما يجب عليهم من حق الله فيه.
فقوله: "وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه" يعني: في الإسلام، من جهة التوحيد، ومن جهة الفرائض، واجتناب المحرمات؛ ولهذا يجب أن تبدأ بالدعوة أولاً إلى أصل الإسلام، وهو التوحيد، وبيان معنى الشهادتين، ثم بيان المحرمات، والواجبات؛ لأن أصل الأصول هو أولى الواجبات بالتقديم.
ومما يلاحظ –هنا- أن آية سورة يوسف فيها بيان أن كل الصحابة كانوا دعاة إلى الله –جل وعلا- وإلى التوحيد، وحديث معاذ يبين أن معاذاً كان من الدعاة إلى الله، وقد فصّل فيه نوع تلك الدعوة إلى الله –جل وعلا- وكذلك حديث سهل بن سعد الذي فيه قصة علي فيه أيضاً الدعوة إلى الإسلام، فيكون هذان الحديثان كالتفصيل لقوله في الآية: {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} فالدعوة على بصيرة هي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وهي الدعوة على توحيده، وإلى الإسلام، وما يجب على العباد من حق الله فيه.
-------------