برنامج تفصيلي لطالب العلم التاريخ
بقلم : حامد عبدالله العلي
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
الحَمدُ للِه ربِّ العالمينَ والصلاةُ والسلامُ على نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ وعلى آلِهِ وَصحبِهِ أَجمَعِين ، وَبَعد :
فهذه رسالة صغيرة تَضعُ بين يدي طالبِ العلمِ الشرعيّ بتوفيقِ منَ اللهِ تعالى منهجاً كاملاً لكيفيّة طلبِ العلوم الشرعية على منهجٍ سلفيّ ، وَقَد وَضَعتُها عَلى عُجالةٍ بناءً على رغبةٍ من كثيرٍ من طلبةِ العلم قَبل نحو تسع سنين ، فلقيَت بحمد الله تعالى استحساناً واسعاً بين الطلبة ، وَأخبرني كثير منهم أنـَّهم استفادوا منها ، ثمَّ لما نفدت نسخُ الطبعةِ الأولى ، ألحّ عليَّ بعضُ طلبة العلم أن يُعاد طبعُها ، مع تنقيحٍ ، وزيادات ، وإعادة الترتيب ، ليكون البرنامجُ واضحاً وسهلاً في الترتيبِ من صغارِ العلمِ إلى كبارِهِ ، فأجبتُهم إلى ما سألوا مستعينا بالله متوكلاً عليه 0
وهاهِيَ الطبعةُ الثانيةُ بينَ يديّ طلبةِ العلومِ الشرعيِّة في حُلّة جديدة وإضافات مهمّة 0
هذا وإنّي أعلم أن ما وضعته هنا من المؤلفات بقصد أن يتدرج طالب العلم في دراستها حتى يرتفع في درجات العلوم الشرعية ، قد يكون غير ه أولى منه ممّا لا أعلمه أو نسيته ، غير أن ما اخترته لطالب العلم سيبلغه بإذن الله تعالى بغيته ، ويوصله إلى مراده ، وإنما يتمّ له ذلك ، إذا استصحب التقوى والاخلاص ، فهما نور العلم ، وقطب رحاه ، و إذا فقدهما الطالب لم يبارك في علمه ، ولم يزده من الله تعالى إلا بعدا ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وقد أوعبت الأمّة في كل فن من فنون العلم إيعابا ، فمن نور الله قلبه هداه بما يبلغه من ذلك ، ومن أعماه لم تزده كثرة الكتب إلا حيرة وضلال ) مجموع الفتاوى 10/665 0
والله تعالى أسأل بحق أسماءه الحسنى ، وصفاته العليّة العُظمى ، أن يتقبّل منا أعمالنا ، ويجعلها خالصة لوجهه الكريم ، ويكتب لنا بها الحسنى في دار كرامته ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 0
أوّ لاً : نصائح عامّة لطالب العلم
هذه عشر نصائح ينبغي أن يستصحبها طالب العلم في طريق الطلب ، وقد إستفدناها من كتاب ( حلية طالب العلم ) للعلاّمة بكر أبو زيد ، ومن غيره ، مع إضافات :
1ـ على طالب العلم في طريق الطلب ، أن يستحضر إخلاص الوجه لله تعالى ، وعليه أن يستصحب نية الثواب والزلفى إلى الله تعالى ، وابتغاء ما عنده في الآخرة ، وضد ذلك الإخلاص الرياء ، وحب الظهور ، والتطلع إلى التفوق على الأقران ، أو طلب الدنيا من مال أو جاه أو منصب أو شهادة يتوصل بها إلى متاع الحياة الدنيا ، فإن ذلك كله يذهب بركة العلم ، قال بشر بن الحارث رحمه الله ( رأيت مشايخ طلبوا العلم للدنيا فافتضحوا ، وآخرين طلبوه فوضعوه مواضعه وعملوا به وقاموا به فأولئك سلموا فنفعهم الله تعالى 000ولقد رأيت أقواما سمعوا من العلم اليسير فعملوا به ، وآخرين سمعوا الكثير فلم ينفعهم الله به ) حلية الأولياء 8/349
2ـ وعليه أن يتخلق بأدب التواضع وخفض الجناح ، وضده الخيلاء، والإعجاب بالنفس ، و التطاول على المعلّم ، والتفاخر على النّاس ، والاستكبار عن الإقرار بالخطأ 0
3ـ وعليه أن يكون ذا سمت حسن ، فلا يلعب ويعبث ويرفع صوته بالسخف وكثرة الضحك ، ولا يتبجح بالطعن في مخالفيه وأقرانه ليظهر تميّزه عليهم 0
4ـ وعليه أن يتخلق بالرفق ، وضده الكلام الجافي والتعنت والتعسف في معاملة الناس والحكم عليهم 0
5ـ وعليه أن يعتني بالقرآن عناية تامّة ، ويكثر من تلاوته وحفظه ، ويتخذ له الأوراد من ذكر وصلاة وصيام ونوافل ، فإنّها من أعظم ما يعين الطالب على مقصده من طلب العلم بتوفيق الله تعالى 0
6ـ وعليه أن يتدرج في منهج الطلب ، فيحفظ مختصر من كل فن إن أمكن ، ويضبطه على معلّم حاذق ، ثم ينتقل إلى ما فوقه وهكذا ، وليتجنّب الإشتغال بالمطولات ، والمصنفات المتفرقة قبل أن يضبط أصول العلوم ، ولا يصح في الطلب أن يستعجل طالب العلم الوصول إلى الخلاف العالي قبل المبادئ والأصول التي تحتويها المختصرات ، فإن ذلك يشتته ويذهب كثير من فائدة الطلب ، كما قال سفيان الثوري رحمه الله ( إذا ترأس الرجـــــل سريعــا أضر بكثير مــن العلم وإذا طلب وطلب بلغ ) حلية الأولياء 7/81 0
7ـ وعليه أن يختار الشيخ المربيّ ذي اللسان الورع، والخلق الحسن ، المترفع عن إتيان الشبهات ، وعن سفساف الأخلاق ، وعليه أن يحسن معاملته بالسؤال في الوقت المناسب ، والإنصات والحرص على الحضور والمذاكرة0
8ـ وعليه أن يختار القرين الصالح الحريص على العلم بآدابه ، وضده اللعّاب البحّاثة عن الخلاف ، والقيل والقال ، المنشغل بما لا يعنيه المتطاول على المسائل الكبار قبل إتقان العلم ، فلا تصاحب من هذا شأنه فإنّه يضيّع عمرك بلا فائدة 0
9ـ وعليه أن يكون له عناية خاصّة باقتناء الكتب ، لاسيما كتب السنة والآثار ، وكتب ابن القيم وابن تيميّة ، ومصنفات علماء دعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، وغيرها من الكتب السلفيّة التي تقوم على تقديم الكتاب والسنة وآثار السلف واقتفاء نهجهم والتمسك بالأصول التي أجمعوا عليها ، ففد جعل الله فيها الخير والبركة 0
10ـ وعلى طالب العلم أن يجعل من نفسه هاديا مرشدا للناس ، بالرفق واللين ، وأن يكف لسانه عن عيب المشتغلين بالدعوة ووعظ الناس ، أو بالجهاد، أو المتفرغين للتعبد، أو بغير الفن الذي حُبّبَ إليه من العلم ، فكلّ ميسر لما خُلق له ، وليجعل طالب العلم نفسه مكمّلا لإخوانه الذين نصبوا أنفسهم على ثغور الإسلام الأخرى .
هذا وإن جماع الخير كله إنما هو في الدعاء ، فإذا ألحّ طالب العلم في دعاء الله ، سائلا أن يفتح الله تعالى له برحمته من هذا الباب العظيم ، فتح الله تعالى له من ذلك ما يشاء ، وإنما الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم والله الموفق 0